الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
وجده جعفر هو المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد مولده في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وأمه تمنى مولاة عبد الواحد بن المقتدر بويع بالخلافة عند القبض على الطائع في حادى عشر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وكان أبيض كث اللحية طويلها يخضب شيبه وقد تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي الشافعي قال الخطيب كان من الديانة وإدامة التهجد وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه وصنف كتابا في الأصول كان يقرأ كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي واستمر في الخلافة إلى أن مات مدة خلافته إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر توفي ليلة الاثنين حادي عشر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وصلى عليه ولده الخليفة القائم والخلق وراءه وكبر أربعا وعاش القادر سبعا وثمانين سنة إلا شهرا وثمانية أيام مولده سنة خمس وعشرين وثلاثمائة تفقه على الأستاذ أبي الوليد النيسابوري ودرس الكلام والأصول على أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري وسمع أبا علي محمد بن أحمد الميداني وحاجب بن أحمد وأبا العباس الأصم وأبا سهل بن زياد وأبا أحمد بن عدي وغيرهم بنيسابور ومكة وبغداد والكوفة وجرجان روى عنه أبو عبد الله الحاكم وهو أكبر منه والإمامان أبو بكر الخطيب والبيهقي وأبو صالح المؤذن وأسعد بن مسعود العتبي وخلائق آخرهم موتا عبد الغفار بن محمد الشيرويى وكان كبير خراسان رياسة وسؤددا وثروة وعلما وعلو إسناد ومعرفة بمذهب الشافعي ولى قضاء نيسابور قال عبد الغافر وأصابه وقر في آخر عمره توفي في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة روى عن أبيه ومحمد بن عيسى وأبي نصر أحمد بن الحسين الكسار وجعفر بن محمد الحسيني قال شيرويه سمعت منه وكان أحد مشايخ البلد ومفتيه مات سادس عشرى صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وخسروجرد بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة وفتح الراء وسكون لواء وكسر الجيم وسكون الراء وفي آخرها الدال المهملة قرية من نانحية بيهق كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين وهداة المؤمنين والدعاء إلى حبل الله المتين فقيه جليل حافظ كبير أصولي نحرير زاهد ورع قانت لله قائم بنصرة المذهب أصولا وفروعا جبلا من جبال العلم ولد في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وسمع الكثير من أبي الحسن محمد بن الحسين العلوي وهو أكبر شيخ له ومن أبي طاهر الزيادي وأبي عبد الله الحاكم والبيهقي أجل أصحاب الحاكم ومن أبي عبد الرحمن السلمي وأبي بكر بن فورك وأبي علي الروذباري وأبي زكريا المزكي وخلق من أصحاب الأصم وحج فسمع ببغداد من هلال الحفار وأبي الحسين بن بشران وجماعة وبمكة من أبي عبد الله بن نظيف وغيره بخراسان والعراق والحجاز والجبال وشيوخه أكثر من مائة شيخ ولم يقع له الترمذي ولا النسائي ولا ابن ماجه روى عنه جماعة كثيرة منهم ولده إسماعيل وحفيده أبو الحسن عبيد الله بن محمد ابن أبي بكر وأبو عبد الله الفراوي وزاهر بن طاهر وعبد الجبار بن محمد الخواري وآخرون وأخذ الفقهاء عن ناصر العمري وقرأ علم الكلام على مذهب الأشعري ثم اشتغل بالتصنيف بعد أن صار أوحد زمانه وفارس ميدانه وأحذق المحدثين وأحدهم ذهنا وأسرعهم فهما وأجودهم قريحة وبلغت تصانيفه ألف جزء ولم يتهيأ لأحد مثلها أما السنن الكبير فما صنف في علم الحديث مثله تهذيبا وترتيبا وجودة وأما المعرفة معرفة السنن والآثار فلا يستغنى عنه فقيه شافعي وسمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول مراده معرفة الشافعي بالسنن والآثار وأما المبسوط في نصوص الشافعي فما صنف في نوعه مثله وأما كتاب الأسماء والصفات فلا أعرف له نظيرا وأما كتاب الاعتقاد وكتاب دلائل النبوة وكتاب شعب الإيمان وكتاب مناقب الشافعي وكتاب الدعوات الكبير فأقسم ما لواحد منها نظير وأما كتاب الخلافيات فلم يسبق إلى نوعه ولم يصنف مثله وهو طريقة مستقلة حديثية لا يقدر عليها إلا مبرز في الفقه والحديث قيم بالنصوص وله أيضا كتاب مناقب الإمام أحمد وكتاب أحكام القرآن للشافعي وكتاب الدعوات الصغير وكتاب البعث والنشور وكتاب الزهد الكبير وكتاب الاعتقاد وكتاب الآداب وكتاب الأسرى وكتاب السنن الصغير وكتاب الأربعين وكتاب فضائل الأوقات وغير ذلك وكلها مصنفات نظاف مليحة الترتيب والتهذيب كثيرة الفائدة يشهد من يراها من العارفين بأنها لم تتهيأ من السابقين وفي كلام شيخنا الذهبي أنه أول من جمع نصوص الشافعي وليس كذلك بل هو آخر من جمعها ولذلك استوعب أكثر ما في كتب السابقين ولا أعرف أحدا بعده جمع النصوص لأنه سد الباب على من بعده وكانت إقامته ببيهق ثم استدعي إلى نيسابور ليقرأ عليه كتابه المعرفة فحضر وقرئت عليه بحضرة علماء نيسابور وثنائهم عليها قال عبد الغافر كان على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا في زهده وورعه عاد إلى الناحية في آخر عمره وكانت وفاته بها وقال شيخنا الذهبي كان البيهقي واحد زمانه وفرد أقرانه وحافظ أوانه قال ودائرته في الحديث ليست كبيرة بل بورك له في مروياته وحسن تصرفه فيها لحذقه وخبرته بالأبواب والرجال وقال إمام الحرمين ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منه إلا البيهقي فإنه له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرته لمذهبه وأقاويله وقال شيخ القضاة أبو علي ولد البيهقي حدثني والدي قال حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب يعني معرفة السنن والآثار وفرغت من تهذيب أجزاء منه سمعت الفقيه أبا محمد أحمد بن علي يقول وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة يقول رأيت الشافعي في المنام وفي يده أجزاء من هذا الكتاب وهو يقول قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء أو قال قرأتها قال وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني يعرف بعمر بن محمد في منامه الشافعي قاعدا على سرير في مسجد الجامع بخسروجرد وهو يقول استفدت اليوم من كتاب الفقيه أحمد كذا وكذا قال شيخ القضاة وحدثنا والدي قال سمعت الفقيه أبا محمد الحسين بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول سمعت الفقيه أبا بكر محمد بن عبد العزيز المروزي الجنوجردي يقول رأيت في المنام كأن تابوتا علا في السماء يعلوه نور فقلت ما هذا فقيل تصانيف البيهقي قيل وكان البيهقي يصوم الدهر من قبل أن سموت بثلاثين سنة توفي البيهقي رضي الله عنه بنيسابور في العاشر من جمادى الأول سنة ثمانين وخمسين وأربعمائة وحمل إلى خسروجرد وهي أكبر بلاد بيهق فدفن هناك
ذكر البيهقي في فضائل الأوقات في الكلام على صوم رجب بعد ما ذكر حديث إن النبي عن صوم رجب كله وضعفه ثم قال إن صح فهو محمول على التنزيه لأن الشافعي قال في القديم وأكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور كما يكمل رمضان قال وكذلك يوما من بين الأيام قال وإنما كرهته ألا يتأسى جاهل فيظن أن ذلك واجب وإن فعل فحسن قال البيهقي فبين الشافعي جهة الكراهية ثم قال وإن فعل فحسن وذلك لن من العلم العام فيما بين المسلمين ألا يجب بأصل الشرع صوم غير صوم رمضان فارتفع بذلك معنى الكراهية انتهى كلام البيهقي قلت وهذه الزيادة وهي قول الشافعي وإن فعل فحسن لم أجدها في نصوص الشافعي المسمى ب جمع الجوامع لأبي سهل بن العفريس وهو كتاب حافل ذكر فيه هذا النص عن القديم وليس فيه هذه الزيادة ولو لم تكن ثابتة عند البيهقي لما ذكرها وهو من أعرف الناس بالنصوص وأصل النص على صوم رجب بكماله غريب والمنقول استحباب صيام الأشهر الحرم وأن أفضلها المحرم وذكر النووي في الروضة من زياداته أن صاحب البحر قال أفضلها رجب وليس كذلك إنما قال في البحر المحرم وبالجملة هذا النص الذي حكاه البيهقي عن الشافعي فيه دلالة بينة على أن صوم رجب بكماله حسن وإذا لم يكن النهي عن تكميل صومه صحيحا بقي على أصل الاستحباب وفي ذلك تأييد لشيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام حيث قال من نهى عن صوم رجب فهو جاهل بمأخذ أحكام الشرع وأطال في ذلك قلت وسيأتي في ترجمة الإمام أبي بكر بن السمعاني والد الحافظ أبي سعد في ذلك شيء ولا ينبغي أن يحتج على البيهقي بما في سنن ابن ماجة من حديث ابن عباس نهى عن صوم رجب فإنه قد قضى بعدم صحته
قال البيهقي في كتاب المعرفة قال الشافعي وأحب للجنب ألا يقرأ القرآن لحديث لا يثبته أهل الحديث وقد سكت البيهقي على هذا النص المقتصر على المحبة ولم يذكر غيره وهو مذهب داود وقال به ابن المنذر من أصحابنا والمعروف عندنا الجزم بالتحريم وهذا النص غريب والحديث الذي أشار إليه الشافعي رضي الله عنه ربما يقع في الذهن أنه حديث لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ولكن ليس هو إياه بل إنما أشار الشافعي رضي الله عنه إلى حديث علي كرم الله وجهه كان النبي يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلا أن يكون جنبا فإن الشافعي رضي الله عنه ذكر هذا الحديث وقال إن يكن أهل الحديث يثبتونه قال البيهقي وإنما توقف الشافعي في ثبوته لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد أن كبر قال شعبة وقد روى الحديث أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ولفظ أبي داود إن رسول الله يخرج من الخلاء فيقرينا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة ولفظ الترمذي كان رسول الله القرآن ما لم يكن جنبا واعلم أن معتمد الجمهور على هذا الحديث وفيه مقال من جهة عبد الله بن سلمة فإنه لم يرو إلا من حديث عمرو بن مرة عنه عن علي وقد قيل في حديثه تعرف وتنكر لما ذكرناه وعلى حديث لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن رواه الترمذي وابن ماجة من حديث إسماعيل بن عياش وهو +ضعيف+ ورواه الدارقطني من حديث موسى بن عقبة وهو أيضا +ضعيف+ وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة وقد ينتهي مجموعها إلى غلبات الظنون وهي كافية في المسألة فالمختار ما عليه الجمهور وقدمنا في خطبة هذا الكتاب حديثا مرسلا عن عبد الله بن رواحة وقضيته مع زوجته فيه دلالة على التحريم
ذكر البيهقي في سننه أن المكاتب يجوز بيعه إذا رضي ثم روى حديث بريرة قال قال الشافعي وإذا رضي أهلها بالبيع ورضيت المكاتبة بالبيع فإن ذلك ترك للكتابة انتهى قلت وهذا غريب الإمام أبو الحسين الرازي من كبار أصحابنا قال الشيخ أبو إسحاق ولد بالري وتفقه على أبي حامد الإسفرايني وأبي عبد الله الحليمي وأبي طاهر الزيادي وسهل الصعلوكي ودرس ببروجرد ومات بها سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وكان ابن نيف وتسعين سنة قلت عمر دهرا ورحل إلى بخارى إلى الحليمي وإلى غيره بغيرها وقال ابن الصلاح رأيت له كتاب المناقضات ومضمونه الحصر والاستثناء شبه موضوع تلخيص ابن القاضي قلت وفيه يقول الفناكي من اشترى شيئا شراء صحيحا لزمه الثمن إلا في مسألة واحده وهي المضطر يشتري الطعام بثمن معلوم فإنه لا يلزمه الثمن وإنما تلزمه قيمته ذكره أبو علي الطبري واحتج بأن النبي عن بيع المضطر قلت وهذا وجه في المسألة صححه الروياني وفي وجه آخر جعله الرافعي الأقيس وصححه القاضي أبو الطيب أنه يلزمه المسمى وفي ثالث يفرق بين زيادة تشق على المضطر وزيادة لا تشق ومحل الخلاف إذا لم يمكن المضطر الأخذ قهرا فإن أمكنه والتزم بالثمن لزمه المسمى بلا خلاف والحديث المشار إليه في سنده مقال ثم في معناه وجهان ذكرهما الخطابي أبو بكر النيسابوري السراج ولد سنة ثمان وأربعمائة وروى عن محمد بن موسى الصيرفي وأبي بكر الحيري وغيرهما روى عنه أبو سعد محمد بن أحمد الخليلي النوقاني الحافظ وزاهر ووجيه ابنا الشحامي وعبد الخالق بن زاهر المذكور وجماعة وكان يحسن الكلام على فقه الحديث توفي ليلة سابع عشرى رمضان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة الجامع بين الفقه والتصوف والنهاية في الحفظ والضبط ولد في رجب سنة ست وثلاثين بأصبهان وهو سبط الشيخ الزاهد محمد بن يوسف البنا أحد مشايخ الصوفية وأحد الأعلام الذين جم الله لهم بين العلو في الرواية والنهاية في الدراية رحل إليه الحفاظ من الأقطار واستجاز له أبوه طائفة من شيوخ العصر تفرد في الدنيا عنهم أجاز له من الشام خيثمة بن سليمان ومن بغداد جعفر الخلدي ومن واسط عبد الله بن عمر بن شوذب ومن نيسابور الأصم وسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة من عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس والقاضي أبي أحمد محمد بن أحمد العسال وأحمد بن معبد السمسار وأحمد بن محمد القصار وأحمد بن بندار الشعار وعبد الله بن الحسن بن بندار والطبراني وأبي الشيخ والجعابي ورحل سنة ست وخمسين وثلاثمائة فسمع ببغداد أبا علي بن الصواف وأبا بكر بن الهيثم الأنباري وأبا بحر البربهاري وعيسى بن محمد الطوماري وعبد الرحمن والد المخلص وابن خلاد النصيبي وحبيبا القزاز وطائفة كثيرة وسمع بمكة أبا بكر الآجري وأحمد بن إبراهيم الكندي وبالبصرة فاروق بن عبد الكريم الخطابي ومحمد بن علي بن مسلم العامري وجماعة وبالكوفة أبا بكر عبد الله بن يحيى الطلحي وجماعة وبنيسابور أبا أحمد الحاكم وحسينك التميمي وأصحاب السراج فمن بعدهم روى عنه كوشيار بن لياليروز الجيلي وتوفي قبله ببضع وثلاثين سنة وأبو سعد الماليني وتوفي قبله بثماني عشرة سنة وأبو بكر بن أبي علي الذكواني وتوفي قبله بإحدى عشرة سنة والحافظ أبو بكر الخطيب وهو من أخص تلامذته وقد رحل إليه وأكثر عنه ومع ذلك لم يذكره في تاريخ بغداد ولا يخفى عليه أنه دخلها ولكن النسيان طبيعة الإنسان وكذلك أغفله الحافظ أبو سعد بن السمعاني فلم يذكره في الذيل وممن روى عن أبي نعيم أيضا الحافظ أبو صالح المؤذن والقاضي أبو علي الوخشي ومستمليه أبو بكر محمد بن إبراهيم العطار وسليمان بن إبراهيم الحافظ وهبة الله بن محمد الشيرازي وأبو الفضل حمد وأبو علي الحسن ابنا أحمد الحداد وخلق كثير آخرهم وفاة أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الدشتج الذهبي وقد روى أبو عبد الرحمن السلمي مع تقدمه عن واحد عن أبي نعيم فقال في كتاب طبقات الصوفية حدثنا عبد الواحد بن أحمد الهاشمي حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله أخبرنا محمد بن علي بن حبيش المقرىء ببغداد أخبرنا أحمد بن محمد بن سهل الأدمي وذكر حديثا قال أبو محمد بن السمرقندي سمعت أبا بكر الخطيب يقول لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير الرجلين أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدوي الأعرج وقال أحمد بن محمد بن مردويه كان أبو نعيم في وقته مرحولا إليه ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء وكان لا يضجر لم يكن له غذاء سوى التصنيف أو التسميع وقال حمزة بن العباس العلوي كان أصحاب الحديث يقولون بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ولا أحفظ منه وكانوا يقولون لما صنف كتاب الحلية حمل إلى نيسابور حال حياته فاشتروه بأربعمائة دينار وقال ابن المفضل الحافظ قد جمع شيخنا السلفي أخبار أبي نعيم وذكر من حدثه عنه وهم نحو ثمانين رجلا قال لم يصنف مثل كتابه حلية الأولياء سمعناه على أبي المظفر القاساني عنه سوى فوت يسير وقال ابن النجار هو تاج المحدثين وأحد أعلام الدين قلت ومن كراماته المذكورة أن السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على أصبهان ولي عليها واليها من قبله ورحل عنها فوثب أهل أصبهان وقتلوا الوالي فرجع محمود إليها وأمنهم حتى اطمأنوا ثم قصدهم يوم الجمعة في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة وكانوا قبل ذلك قد منعوا نعيم الحافظ من الجلوس في الجامع فحصلت له كرامتان السلامة مما جرى عليهم إذ لو كان جالسا لقتل وانتقام لله تعالى له منهم سريعا ومن مصنفاته حلية الأولياء وهي من أحسن الكتب كان الشيخ الإمام الوالد رحمه الله كثير الثناء عليها ويحب تسميعها وله أيضا كتاب معرفة الصحابة وكتاب دلائل النبوة وكتاب المستخرج على البخاري وكتاب المستخرج على مسلم وكتاب تاريخ أصبهان وكتاب صفة الجنة وكتاب فضائل الصحابة وصنف شيئا كثيرا من المصنفات الصغار توفي في العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة وله أربع وتسعون سنة رحمة الله عليه
قد حدث أبو نعيم بهذا الجزء ورواه عنه الأثبات والرجل ثقة ثبت إمام صادق وإذا قال هذا سماعي جاز الاعتماد عليه وطعن بعض الجهال الطاعنين في أئمة الدين فقالوا إن الرجل لم يوجد له سماع بهذا الجزء وهذا الكلام سبة على قائله فإن عدم وجدانهم لسماعه لا يوجب عدم وجوده وإخبار الثقة بسماع نفسه كاف ثم ذكر شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أن شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي حدثه أنه رأى بخط الحافظ ضياء الدين المقدسي أنه وجد بخط الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل أنه قال رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم فبطل ما اعتقدوه ريبة ثم قال الطاعنون ثانيا وهذا الخطيب أبو بكر البغدادي وهو الحبر الذي تخضع له الأثبات وله الخصوصية الزائدة بصحبة أبي نعيم قال فيما كتب إلي به أحمد بن أبي طالب من دمشق قال كتب إلي الحافظ أبو عبد الله بن النجار من بغداد قال أخبرني أبو عبيد الله الحافظ بأصبهان أخبرنا أبو القاسم بن إسماعيل الصيرفي أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة قال سمعت أبا الفضل المقدسي يقول سمعت عبد الوهاب الأنماطي يذكر أنه وجد بخط الخطيب سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم عن جزء محمد بن عاصم كيف قرأته على أبي نعيم وكيف رأيت سماعه فقال أخرج إلي كتابا وقال هذا سماعي فقرأته عليه قلنا ليس في هذه الحكاية طعن على أبي نعيم بل حاصلها أن الخطيب لم يجد سماعه بهذا الجزء فأراد استفادة ذلك من مستمليه فأخبره بأنه اعتمد في القراءة على إخبار الشيخ وذلك كاف ثم قال الطاعنون ثالثا وقد قال الخطيب أيضا رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها أنه يقول في الإجازة أخبرنا من غير أن يبين قلت هذا لم يثبت عن الخطيب وبتقدير ثبوته فليس بقدح ثم إطلاق أخبرنا في الإجازة مختلف فيه فإذا رآه هذا الخبر الجليل أعني أبا نعيم فكيف يعد منه تساهلا ولئن عد فليس من التساهل المستقبح ولو حجزنا على العلماء ألا يرووا إلا بصيغة مجمع عليها لضيعنا كثيرا من السنة وقد دفع الحافظ أبو عبد الله بن النجار قضية جزء محمد بن عاصم بأن الحفاظ الأثبات رووه عن أبي نعيم وحكينا لك نحن أن أصل سماعه وجد فطاحت هذه الخيالات ونحن لا نحفظ أحدا تكلم في أبي نعيم بقادح ولم يذكر بغير هذه اللفظة التي عزيت إلى الخطيب وقلنا إنها لم تثبت عنه والعمل على إمامته وجلالته وأنه لا عبرة بهذيان الهاذين وأكاذيب المفترين على أنا لا نحفظ عن أحد فيه كلاما صريحا في جرح ولو حفظ لكان سبة على قائله وقد برأ الله أبا نعيم من معرته وقال الحافظ ابن النجار في إسناد ما حكي عن الخطيب غير واحد ممن يتحامل على أبي نعيم لمخالفته لمذهبه وعقيدته فلا يقبل قال شيخنا الذهبي التساهل الذي أشير إليه شيء كان يفعله في الإجازة نادرا قال فإنه كثيرا ما يقول كتب إلي جعفر الخلدي كتب إلي أبو العباس الأصم أخبرنا أبو الميمون بن راشد في كتابه قال ولكن رأيته يقول أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرىء عليه قال والظاهر أن هذه إجازة قلت إن كان شيخنا الذهبي يقول ذلك في مكان غلب على ظنه أن أبا نعيم لم يسمعه بخصوصه من عبد الله بن جعفر فالأمر مسلم إليه فإنه أعني شيخنا الحبر الذي لا يلحق شأوه في الحفظ وإلا فأبو نعيم قد سمع من عبد الله بن جعفر فمن أين لنا أنه يطلق هذه العبارة حيث لا يكون سماع ثم وإن أطلق إذ ذاك فغايته تدليس جائز قد اغتفر أشد منه لأعظم من أبي نعيم ثم قال الطاعنون رابعا قال يحيى بن مندة الحافظ سمعت أبا الحسين القاضي يقول سمعت عبد العزيز النخشبي يقول لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامه فحدث به كله قلنا قال الحافظ ابن النجار وهم عبد العزيز في هذا فأنا رأيت نسخة من الكتاب عتيقة وعليها خط أبي نعيم يقول سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلاد فلعله روى الباقي بالإجازة تفقه على الشيخ أبي حامد وروى عن أبي طاهر المخلص وغيره قال الشيخ أبو إسحاق وأصله من فسا وله عن الشيخ أبي حامد تعليقه وصنف ودرس ببغداد وتوفي بها في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وصلى عليه الماوردي ودفن بباب حرب إلى جانب أبي حامد قال ابن الصلاح رأيت من تصانيف الثابتي كتاب في الفرائض سهل العبارة موسوما بكتاب المهذب والمقرب قلت حدث بيسير عن زاهر السرخسي كتب عنه الخطيب رحمه الله ولد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ببغداد وقرأ القرآن على أبي الحسن على بن الحسن العطار وعلى محمد بن علي بن فارس الخياط وسمع عبد الله الأزهري وأبا طالب بن بكير وأبا طالب بن غيلان والعتيقي وجماعة وقد دمشق بعد الخمسين وأربعمائة فسكنها وسمع بنا من أبي القاسم الحنائي وجماعة وصنف في القراءات وأقرا الناس وكان إماما ماهرا روى عنه الفقيه نصر المقدسي وهو أكبر منه وابنه هبة الله بن طاوس والفقيه نصر الله المصيصي وحمزة بن أحمد بن كروس توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة الشافعي الواعظ تفقه على أبي إسحاق الشيرازي قال ابن النجار وكان واعظا مليح الوعظ يغسل الموتى سمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدوس بن كامل السراج وأبا محمد الحسن بن علي الجوهري وغيرهما روى عنه أبو الفضل بن طاهر الحافظ وغيره مولده سنة ست وثلاثين وأربعمائة ومات في شعبان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة ولا اعتبار بوقيعة أبي الفضل بن ناصر فيه فإنه كثير الوقيعة في الناس ورحم الله أبا سعد إنه لينكر منه ذلك من خسروجرد بليدة ببيهق قال ابن الصلاح ذكره أبو الحسن الخطيب يعني عبد الغافر الفارسي فقال الشيخ الإمام الأوحد أبو حامد المدرس المنظر شيخ مشهور ثقة قال ورأيته كان يحضر مجالس المناظرة في حفظ المذهب أوفر منه في الخلاف وذكر أنه سمع من أبي عبد الرحمن السلمي وعبد القاهر بن طاهر والقاضي أبي الطيب الطبري وغيرهم قال ابن السمعاني توفي بعد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فإن الحسين الفوراني سمع منه في هذه السنة الحافظ الكبير أحد أعلام الحفاظ ومهرة الحديث وصاحب التصانيف المنتشرة ولد يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وكان لوالده الخطيب أبي الحسن علي إلمام بالعلم وكان يخطب بقرية درزيجان إحدى قرى العراق فحض ولده أبا بكر على السماع في صغره فسمع وله إحدى عشرة سنة ورحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة وإلى نيسابور ابن ثلاث وعشرين سنة ثم إلى أصبهان ثم رحل في الكهولة إلى الشام سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي وأبا الحسن بن رزقويه وأبا سعد الماليني وأبا الفتح بن أبي الفوارس وهلالا الحفار وأبا الحسين بن بشران وغيرهم ببغداد وأبا عمر الهاشمي راوي السنن وجماعة بالبصرة وأبا بكر الحيري وأبا حازم العبدوي وغيرهما بنيسابور وأبا نعيم الحافظ وغيره بأصبهان وأحمد بن الحسين الكسار وغيره بالدينور وبالكوفة والري وهمذان والحجاز وقدم دمشق سنة خمس وأربعين حاجا فسمع خلقا كثيرا وتوجه إلى الحج ثم قدمها سنة إحدى وخمسين فسكنها وأخذ في كتبه وحدث بها بتآليفه روى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني وأبو القاسم الأزهري وغيرهما ومن أقرانه عبد العزيز بن أحمد الكتاني وغيره وابن ماكولا وعبد الله بن أحمد السمرقندي ومحمد بن مرزوق الزعفراني وأبو بكر بن الخاضبة وخلائق يطول سردهم ثم حدث الحافظ أبو القاسم بن عساكر عن أربعة وعشرين شيخا حدثوه عن الخطيب منهم أبو منصور بن زريق والقاضي أبو بكر الأنصاري وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم وكان من كبار الفقهاء تفقه على أبي الحسن بن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وعلق عنه الخلاف وأبي نصر بن الصباغ وكان يذهب في الكلام إلى مذهب أبي الحسن الأشعري وقرأ صحيح البخاري بمكة في خمسة أيام على كريمة المروزية وأراد الرحلة إلى ابن النحاس إلى مصر قال فاستشرت البرقاني هل أرحل إلى ابن النحاس إلى مصر أو أخرج إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم فقال إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد إن فاتك ضاعت رحلتك وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة إن فاتك واحد أدركت من بقي فخرجت إلى نيسابور ثم أقام ببغداد وألقى عصا السفر إلى حين وفاته فما طاف سورها على نظيره يروي عن أفصح من نطق بالضاد ولا أحاطت جوانبها بمثله وإن طفح ماء دجلتها وروى كل صاد عرفته أخبار شأنها وأطلعته على أسرار أبنائها وأوقفته على كل موقف منها وبنيان وخاطبته شفاها لو أنها ذات لسان ومصنفاته تزيد على الستين مصنفا قال ابن ماكولا كان أبو بكر آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا لحديث رسول الله في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه قال ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني مثله وقال المؤتمن الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب وقال أبو علي البرداني لعل الخطيب لم ير مثل نفسه وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة لحديث وحفظه وقال أبو الفتيان الرواسي كان الخطيب إمام هذه الصنعة ما رأيت مثله وقال عبد العزيز الكتاني إنه أعني الخطيب اسمع الحديث وهو ابن عشر سنين قال وعلق الفقه عن القاضي أبي الطيب وعن أبي نصر بن الصباغ قلت وهو من أقران ابن الصباغ قال وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري قلت وهو مذهب المحدثين قديما وحديثا إلا من ابتدع فقال بالتشبيه وعزاه إلى السنة أو من لم يدر مذهب الأشعري فرده بناء على ظن فيه ظنه والفريقان من أصاغر المحدثين وأبعدهم عن الفطنة وقال شيخنا الذهبي هنا عقيب قول الكتاني إن الخطيب كان يذهب إلى مذهب الأشعري ما نصه قلت مذهب الخطيب في الصفات أنها تمر كما جاءت صرح بذلك في تصانيفه قلت وهذا مذهب الأشعري فقد أتي الذهبي من عدم معرفته بمذهب الشيخ أبي الحسن كما أتي أقوام آخرون وللأشعري قول آخر بالتأويل وقال أبو سعد بن السمعاني كان مهيبا وقورا ثقة متحريا حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ قال وله ستة وخمسون مصنفا وقال ابن النجار هي نيف وستون قلت والجمع بين الكلامين أن ابن السمعاني أسقط ذكر ما لم يوجد منها فإن بعضها احترق بعد موته قبل أن يخرج إلى الناس وفيها يقول السلفي تصانيف ابن ثابت الخطيب ** ألذ من الصبا الرطيب يراها إذ رواها من حوارها ** رياضا للفتى اليقظ اللبيب ويأخذ حسن ما قد ضاع منها ** بقلب الحافظ الفطن الأريب فأية راحة ونعيم عيش ** يوازي عيشها بل أي طيب وكان للخطيب ثروة ظاهرة وصدقات على طلاب العلم دارة يهب الذهب الكثير للطلبة قال المؤتمن الساجي تحاملت الحنابلة عليه وقال غير واحد ممن رافق الخطيب في الحج إنه كان يختم كل يوم ختمة إلى قريب الغياب قراءة ترتيل ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون حدثنا فيحدثهم قال أبو سعد السمعاني سمعت مسعود بن محمد بن أبي نصر الخطيب يقول سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول كنت في جامع صور عند الخطيب فدخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير وقال للخطيب فلان يسلم عليك ويقول لك اصرف هذا في بعض مهماتك فقال الخطيب لا حاجة لي فيه وقطب وجهه فقال العلوي كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها وقال هذه ثلاثمائة دينار فقام الخطيب محمرا وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانير على الأرض وخرج من المسجد قال الفضل ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقوق الحصير ويجمعها ويذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات الأولى أن يحدث ب تاريخ بغداد والثانية بجامع المنصور والثالثة أن يدفن إذا مات عند بشر الحافي فحصلت الثلاثة وحكي أن بعض اليهود أظهر كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة رضي الله عنهم وذكروا أن خط علي فيه فعرض على الخطيب فتأمله وقال هذا مزور لأن فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح وخيبر فتحت قبل ذلك ولم يكن مسلما في ذلك الوقت ولا حضر ما جرى وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات في بني قريظة بسهم أصابه في أكحله يوم الخندق وذلك قبل فتح خيبر بسنتين ولما مرض وقف جميع كتبه وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث وكان ذا ثروة ومال كثير فاستأذن أمير المؤمنين القائم بأمر الله في تفريقها فأذن له وسبب استئذانه أنه لم يكن له وارث إلا بيت المال وحضر أبو بكر الخطيب مرة درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي فروى الشيخ حديثا من رواية بحر بن كنيز السقاء ثم قال للخطيب ما تقول فيه فقال إن أذنت لي ذكرت حاله فاستوى الشيخ وقعد مثل التلميذ بين يدي الأستاذ يسمع كلام الخطيب وشرع الخطيب في شرح أحواله وبسط الكلام كثيرا إلى أن فرغ فقال الشيخ هذا دارقطني عهدنا قال السلفي سألت أبا علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني الحافظ ببغداد هل رأيت مثل الخطيب فقال ما أظن أن الخطيب رأى مثل نفسه قال المؤتمن بن أحمد الساجي ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من الخطيب وقال أبو الفرج الإسفرايني وأسنده عنه الحافظ ابن عساكر في التبيين قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي كنت نائما في منزل الشيخ أبي الحسن الزعفراني ببغداد فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الخطيب لقراءة التاريخ في منزله على العادة وكان الخطيب جالسا وعن يمينه الشيخ نصر المقدسي وعن يمين الفقيه نصر رجل لا أعرفه فقلت من هذا الذي لم تجر عادته بالحضور معنا فقيل لي هذا رسول الله ليسمع التاريخ فقلت في نفسي هذه جلالة للشيخ أبي بكر إذ حضر النبي وقلت في نفسي هذا أيضا رد لمن يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام وشغلني التفكر في هذا عن النهوض إلى رسول الله عن أشياء كنت قد قلت في نفسي أسأله عنها فانتبهت في الحال ولم أكلمه توفي الخطيب في السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة ببغداد ودفن بباب حرب إلى جانب بشر بن الحارث وأوقف جميع كتبه على المسلمين وتصدق بمال جزيل وفعل معروفا كثيرا في مرض موته وتبع جنازته الجم الغفير وكان له بها جماعة ينادون هذا الذي كان يذب عن رسول الله الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله الذي كان يحفظ حديث رسول الله وكان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ممن حمل جنازته ورآه بعض الصلحاء في المنام وسأله عن حاله فقال أنا في روح وريحان وجنة نعيم ورؤي له منامات كثيرة تدل على مثل هذا ومن شعره الشمس تشبهه والبدر يحكيه ** والدر يضحك والمرجان من فيه ومن سرى وظلام الليل معتكر ** فوجهه عن ضياء البدر يغنيه في أبيات أخر
ذكر في حديث عبد الله بن مسعود عن الصادق المصدوق ( إن خلق أحدكم ) الحديث أن من أول الحديث إلى قوله ( شقي أو مسعود ) ويؤيده أن سلمة بن كهيل رواه بطوله عن زيد بن وهب ففصل كلام النبي كلام ابن مسعود قلت ولكن حاء في صحيح مسلم من حديث سهل بن سعد أن النبي ( إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتم ) وفي صحيح البخاري في كتاب الجهاد في باب لا يقول فلان شهيد من حديث سهل بن سعد أيضا أن النبي ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) انتهى ولم أر من تنبه له عند ذكر الحديث ابن مسعود وإنما تنبهوا لرواية مسلم وأقول جائز أن يكون ابن مسعود سمع هذا من النبي سمعه سهل بن سعد ثم أدرجه في هذا الحديث وهذه الزيادة وهي فيما يبدو للناس أو فيما يرى الناس عظيمة الوقع جليلة الفائدة عند الأشعرية كثيرة النفع لأهل السنة والجماعة في مسألة أنا مؤمن إن شاء الله فليفهم الفاهم ما ينبه عليه المسند الصوفي أبو بكر البغدادي ويقال له ابن زهراء تلميذ أبي سعيد بن أبي الخير الميهني شيخ الصوفية بخراسان ولد في شوال سنة اثنتى عشرة وأربعمائة سمع أباه وأبا القاسم اللالكائي الحافظ وأبا الحسن بن مخلد وأبا علي بن شاذان وغيرهم روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي وأبو الفضل بن ناصر وأبو الفتح بن البطي وأبو طاهر السلفي وطائفة آخرهم موتا أبو الفضل خطيب الموصل قال ابن السمعاني شيخ له قدم في التصوف رأى المشايخ وحدثهم وكان حسن التلاوة صحب أبا سعيد النيسابوري قال وكانت سماعاته صحيحة إلا ما أدخله عليه أبو الحسن بن محمد الكرماني فحدث به اعتمادا على قول أبي الحسن وحسن الظن به ولم يكن يعرف طرائق المحدثين وادعى أنه سمع من أبي الحسن بن رزقويه وما يصح سماعه منه وقال أبو القاسم بن السمرقندي دخلت على أحمد بن زهراء الطريثيثي وهو يقرأ عليه جزء من حديث ابن رزقويه في هذه السنة توفي وأخذت الجزء من يده وقد سمعوا فيه فضربت على التسميع فقام وخرج من المسجد قلت ومن ثم قال ابن ناصر كان كذابا لا يحتج بروايته وهذا من مبالغات ابن ناصر التي عهدت منه ولم يكن الرجل يكذب وليس فيه غير ما قاله ابن السمعاني لما أدخل عليه ولا يوجب ذلك قدحا فيه ولا ردا لما صح من سماعاته ولهذا كان السلفي يقول أخبرنا الطريثيثي من أصل سماعه ولو كان كذابا لم يرو عنه فغفر الله لابن ناصر كم يتعصب على الصوفية وعلى فقهاء الفريقين وقد صرح السلفي في معجمه بأن الطريثيثي من الثقات الأثبات وأنه لم يقرأ عليه إلا من أصول سماعه وأنها كالشمس وضوحا وذكر أيضا ما ذكره ابن السمعاني مما أدخل عليه توفي في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربعمائة أبو بكر الطبري المعروف بالزجاجي بضم الزاي قدم بغداد وسمع من أبي طاهر المخلص وأبي القاسم بن الصيدلاني وغيرهما واستوطن الجانب الشرقي إلى آخر عمره كتب عنه الخطيب وقال كان ثقة دينا يتفقه على مذهب الشافعي قال ابن الصلاح وقوله يتفقه يطلقها هو وكثير ممن تقدمه من أهل الحديث على من يعنى بالفقه وإن لم يكن فيه مبتدئا وهي في هذا كتطبب مات في آخر سنة سبع وأربعين وأربعمائة بفتح العين المهملة بعدها نون ساكنة ثم باء موحدة الحافظ أبو الفضل السليماني البخاري البيكندي ولد سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وطوف البلاد ورحل إلى الآفاق وكان من الحفظ والإتقان وعلو الإسناد وكثرة التصانيف بمكان مكين وقدر رفيع سمع محمد بن حمدويه بن سهل وعلي بن إسحاق المادرائي ومحمد بن يعقوب الأصم ومحمود بن إسحاق الخزاعي وعبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهاني وخلقا روى عنه جعفر بن محمد المستغفري وولده أبو ذر محمد بن جعفر وجماعة من أهل تلك الديار قال الحاكم كان يحفظ الحديث ورحل فيه وكان من الحفاظ الزهاد وقال ابن السمعاني لم يكن له نظير في زمانه إسنادا وحفظا ودراية بالحديث وضبطا وإتقانا وقال وقولهم فيه السليماني نسبة إلى جده لأمه أحمد بن سليمان وكان يصنف في كل جمعة شيئا ويرحل من بيكند إلى بخارى ويحدث بما صنف توفي في ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة أحد أئمة الدنيا علما وعملا ذكره الأديب أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي في مختصر لطيف سماه نهزة الحفاظ ذكر فيه أنه عزم على أن يضع تاريخا ونسا وكوفن وجيران وغيرها من أمهات القرى بتلك النواحي وأنه سئل في عمل هذا المختصر ليفرد فيه ذكر الأئمة الأعلام ممن كان في العلم مفزوعا إليه وفي الرواية موثوقا به وقد طنت بذكره البلدان وغنت بمدحه الركبان كفضيل بن عياض ومنصور بن عمار وزهير بن حرب وذكر فيه جماعة من الأئمة وأورد شيئا من حديثهم وقال في الشيخ أبي سهل إذ ذكره كان من أئمة الفقهاء سمعت جماعة من أصحابه يقولون كان أبو زيد الدبوسي يقول لولا أبو سهل الأبيوردي لما تركت للشافعية بما وراء النهر مكشف رأس وحدثني أبو الحسن علي بن عبد الرحمن الحديثي وكان من أصحابه المبرزين في الفقه أنه سمعه يقول كنت أتبرز في عنفوان شبابي فبينا أنا في سوق البزازين بمرو رأيت شيخين لا أعرفهما فقال أحدهما لصاحبه لو اشتغل هذا بالفقه لكان إماما للمسلمين فاشتغلت حتى بلغت فيه ما ترى وروى الحديث عن أبي بكر محمد بن عبد الله الأودني وأبي عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي وأبي الفضل السليماني الحافظ وغيرهم هذا كلام أبي المظفر الأبيوردي ثم ساق له حديثا عن الأودني وحديثا عن السليماني وذكر ابن الصلاح في ترجمة الأودني أنا أبا سهل قال سمعته يقول سمعت شيوخنا رحمهم الله تعالى يقولون دليل طول عمر الرجل اشتغاله بأحاديث رسول الله وقال الحافظ أبو سعد رحمه الله في ترجمة محمد بن ثابت الخجندي إنه تفقه على أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي ويوافقه ما ذكره الذاكرون في ترجمة صاحب التتمة أنه تفقه ببخارى على أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي قاله ابن النجار وغيره واعلم أن الأودني مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ومحمد بن ثابت الخجندي مات سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فكأن الأبيوردي عمر دهرا طويلا وهذه الترجمة التي لأبي سهل لا أراك بعد شدة الفحص تجدها في غير كتابنا وانظر كيف جمعناها من أماكن متفرقة وأبرزناها من مصنف غريب وهو نهزة الحفاظ
ذكر القاضي الحسين في التعليقة أنه حكي عن الشيخ ابن سهل وهو الأبيوردي كما هو مصرح به في بعض نسخ التعليقة وصرح به ابن الرفعة في الكفاية أن الحد لا يلزم من يلوط مملوك له بخلاف مملوك الغير قال القاضي وربما قاسه على وطء أمته المجوسية أو أخته من الرضاع وفيه قولان انتهى وهذا الوجه محكي في البحر والذخائر وغيرهما من كتب الأصحاب لكن غير مضاف إلى قائل معين وعلله صاحب البحر بأن ملكه فيه يصير شبهة في سقوط الحد والذي جزم به الرافعي تبعا لأكثر الأصحاب أنه لا فرق بين مملوكه وغيره نعم في اللواط من أصله قول أن موجبه التعزيز قال الرافعي إنه مخرج من القول بنظيره في إتيان البهيمة قال ومنهم من لم يثبته قلت وقد أسقط النووي في الروضة حكاية هذا القول بالكلية وزنجان بفتح الزاي وسكون النون وفتح الجيم وآخرها نون بلدة معروفة أحد تلامذة القاضي أبي الطيب الطبري له رواية روى عنه محمد بن طاهر وأبو طاهر السلفي قال السلفي وكانت الرحلة إليه لفضله وعلو إسناده سمعته يقول إني أفتي من سنة تسع وعشرين قال وقيل لي عنه إنه لم يفت خطأ قط قال وأهل بلده يبالغون في الثناء عليه الخواص والعوام ويذكرون ورعه وقلة طمعه أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن الجزري قراءة عليه وأنا أسمع أنبأنا محمد بن عبد الهادي أجازنا السلفي أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه الإمام بزنجان وسألته عن مولده فقال سنة ثلاث وأربعمائة أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان البزاز ببغداد أخبرنا أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن مكرم الطستي أخبرنا أبو سهل السري بن سهل بن خربان الجنديسابوري حدثنا عبد الله بن رشيد حدثنا أبو عبيدة مجاعة بن الزبير العتكي عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله ( إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يتفلن أمامه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى فإنه يناجي ربه عز وجل ) أبو بكر الخوارزمي الحافظ الكبير المعروف بالبرقاني بكسر الباء وفتحها كان إماما حافظ ذا عبادة وفضائل جمة قال الشيخ تفقه في حداثته وصنف في الفقه ثم اشتغل بعلم الحديث فصار فيه إماما سمع من أبي علي بن الصواف وأبي بكر بن مالك القطيعي وأبي محمد بن ماسي وأبي بكر الإسماعيلي وأبي عمرو بن حمدان وأبي أحمد الحافظ وأبي منصور الأزهري وخلائق لا يحصون ببلاد عديدة قال الخطيب واستوطن ببغداد وحدث فكتبنا عنه وكان ثقة ورعا متقنا متثبتا فهما لم نر في شيوخنا أثبت منه حافظا للقرآن عارفا بالفقه له حظ من علم العربية كثير الحديث حسن الفهم له والبصيرة فيه وصنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان قال أبو القاسم الأزهري البرقاني إمام وإذا مات ذهب هذا الشأن يعني الحديث قاله في حياته وقال ما رأيت في الشيوخ أتقن منه وقال أبو محمد الخلال البرقاني نسيج وحده وقال محمد بن يحيى الكرماني الفقيه ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني ولد في آخر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ومات في أول يوم من رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد دخل إليه محمد بن علي الصوري قبل وفاته بأربعة أيام فقال له هذا اليوم السادس والعشرون من جمادى الآخرة وقد سألت الله أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب فقد روي أن لله فيه عتقاء من النار عسى أن أكون منهم فاستجيب له الإمام الجليل من رفعاء أصحاب الشيخ أبي حامد وبيته بيت الفضل والجلالة والفقة والرواية وله التصانيف المشهورة ك المجموع والمقنع اللباب وغيرها وله عن الشيخ أبي حامد تعليقه منسوبة إليه وصنف في الخلاف وقال فيه الخطيب برع في الفقه ورزق من الذكاء وحسن الفهم ما أربى فيه على أقرانه وكان قد سمع من محمد بن المظفر وطبقته ورحل به أبوه إلى الكوفة فسمع من أبي الحسن بن أبي السري وغيره وسألته غير مرة أن يحدثني بشيء من سماعاته فكان يعدني بذلك ويرجىء الأمر إلى أن مات ولم أسمع منه إلا خبر محمد بن جرير عن قصة الخراساني الذي ضاع هميانه بمكة ولا أعلم سمع منه أحد غيري إلا ما حدثني ابنه أبو الفضل أن علي ابن أحمد الكاتب قرأ عليه رواية البغوي عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه الفوائد مولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة وقال المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي دخل علي أبو الحسن بن المحاملي مع أبي حامد الإسفرايني ولم أكن أعرفه فقال لي أبو حامد هذا أبو الحسن ابن المحاملي وهو اليوم أحفظ للفقه مني وحكي عن سليم أن المحاملي لما صنف كتبه المقنع والمجرد وغيرهما من تعليق أستاذه أبي حامد ووقف عليها قال بتر كتبي بتر الله عمره فنفذت فيه دعوة أبي حامد وما عاش إلا يسيرا ومات يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة قال المحاملي في المقنع ما نصه ويستحب للمرأة إذا اغتسلت من حيض أو نفاس أن تأخذ قطعة من مسك أو غيره من الطيب فتتبع به أثر الدم وهي المواضع التي أصابها الدم من بدنها انتهى وقد أغرب في قوله إنها تتبع كل ما أصابه الدم من البدن والحديث مروي في ذلك أن امرأة سألت النبي الغسل من الحيض فقال ( خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف أتطهر بها فقال رسول الله الله تطهري بها قالت عائشة قتل تتبعي بها أثر الدم ) قال الأصحاب أي أثر الحيض والمراد به هنا الفرج قال النووي وما ذكره المحاملي لا أعرفه لغيره بعد البحث عنه قلت إلا أن للمحاملي أن يقول هو ظاهر اللفظ في قولها الدم وتقييده بالفرج لا بد له عليه من دليل والمعنى يساعد المحاملي لأن المقصود دفع الرائحة الكريهة وهي لا تختص هذا أقصى ما يتخيل به في مساعدة المحاملي والحق عند الإنصاف مع الأصحاب ومما يستفاد هنا ولا تعلق للمحاملي به أن المرأة السائلة للنبي في صحيح مسلم أنها بنت شكل بفتح الشين المعجمة والكاف بعدهما لام وإنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن بالسين المهملة المفتوحة بعدها كاف مفتوحة ثم نون فوقع اللفظ في مسلم مصحفا منسوبا إلى الجد وهو على الصواب في الأسماء المبهمة للخطيب أبي بكر وذكر بإسناده في الحجة على ذلك من رواية يحيى ابن سعيد عن إبراهيم بن المهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت يزيد سألت النبي الحديث قال المحاملي في المقنع أيضا ما نصه وإن ماتت امرأة وفي جوفها ولد فإن كان يرجى حياة الولد إذا أخرج شق جوفها وأخرج وإن لم يرج ذلك لم يخرج وترك على جوفها شيء حتى يموت ثم تدفن انتهى وهذا ما جرى عليه صاحب التنبيه وغيره وقال النووي وهو غلط وإن كان قد حكاه جماعة وقال ابن الصلاح في الفتاوي أربع مسائل من أربعة كتب مشهورة معتمدة وددت لو محيت أحكامها المذكورة وذكر منها قول التنبيه ترك عليه شيء حتى يموت وقال وهذا في نهاية الفساد بل الصواب تركه حتى يموت من غير أن يوضع عليه شيء وقد بان لك أن صاحب التنبيه غير منفرد باختيار هذا بل قد سبقه المحاملي والوجه محقق في المذهب وسبقته أيضا القاضي حسين فإنه قال في باب عدد الكفن ولو كان في بطنها ولد لا يشق بطنها عندنا بل يحمل على ولدها شيء ثقيل حتى يسكن ما فيه وقال أبو حنيفه يشق بطنها هذا كلامه لكنه قال قبل باب الشهيد فرع إذا ماتت وفي بطنها جنين هل يشق بطنها فيه وجهان أحدهما لا يشق والثاني يشق وعند أبي حنيفة يشق قال والأولى أنها إن كانت في الطلق والولد يتحرك في بطنها أن يشق ولا خلاف أنه ما دام الولد في بطنها لا تدفن حتى تسكن الحركة ثم تدفن انتهى وفيه مخالفة لما تقدم وقد صرح النووي بحكاية وجوه ثلاثة أصحها الترك والثاني أن يشق جوفها ويخرج كما في الحالة التي يرجى حياته والثالث هذا إلا أنه غلط والشيخ غير منفرد به وأما قول بعض المؤولة لكلام الشيخ مراده ترك عليه شيء من الزمان حتى يموت ومعناه الوجه الثاني وهو أن يترك فهذا ليس بشيء
وهو ما ذكره الشيخ أبو إسحاق في المهذب أنه لا يجوز أن يجلس على قبره وهذه العبارة ظاهرة في التحريم وعبارة الشافعي الكراهة فإنه قال أكره أن يطأ القبر ويجلس عليه أو يتكىء عليه إلا أن لا يصل إلى قبر ميته إلا بوطء قبر غيره فيسعه ذلك وكذلك أكثر الأصحاب ومنهم الرافعي والنووي والقول بالتحريم هو ظاهر النهي في قوله ( لا تجلسوا على القبور ) وفي حديث آخر ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثوبه وبدنه حتى تخلص إليه خير له من أن يجلس على قبر ) وقد أخذ الشافعي في تفسير الجلوس بظاهر الحديث فقال الجلوس أن يطأه ومنهم من فسر الجلوس ومنهم من فسره بالملازمة ذكر المحاملي أنه لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء إلا في ست مسائل قال في اللباب في باب إزالة النجاسة إذا أصاب الأرض بول فإن كانت صلبة صب عليها من الماء سبعة أمثال البول وإن كانت رخوة يقلعها هذه عبارته وما ذكره من السبعة وجه محكي في الرافعي وغيره وأما قوله فيما إذا كانت الأرض رخوة إنه يقلعها وإنه لا يجزى الصب عليها فغربت جدا لم أره لغيره وذكر في اللباب أنه يستحب الوضوء من الغيبة وعند الغضب وأنه يستحب الغسل للحجامة ولدخول الحمام والاستحداد وكل هذا غريب ولكن ذكره غيره وذكر في اللباب في باب مسح الخف المسحات سبعة وعد منها مسح اليدين والرجلين إذا كان أقطعهما فوق المفصل وعبارة التنبيه في ذلك المس وهي تساعد هذا إذ قال استحب أن يمس الموضع ماء ولكن قالوا المراد بالمس الغسل وهذا المحاملي قد صرح بالمسح وذكر في باب الحيض من اللباب أن الحيض يتعلق به عشرون معنى اثنا عشر منها محظوراته وثمانية أحكامه وعد من المحظورات أن الحائض لا تحضر المحتضر قال وكذلك النفساء وهذا من أغرب الغريب ولا أعرف ما دليله وقد عرف قول المحاملي أنه لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء إلا في ست مسائل أحداها الإرث والثانية يسترجع بإفلاس المشتري والثالثة يرجع في هبته لولده والرابعة يرد عليه بالعيب على الصحيح والخامسة الملك الضمني إذا قال لمسلم أعتق عبدك عني فأعتقه وصححناه وهو الصحيح والسادسة إذا عجز مكاتبه عن النجوم فله تعجيزه قال النووي وفي عد هذه تساهل فإن المكاتب لا يزول ملك سيده عنه حتى يقول عاد قال وترك سابعة وهي ما إذا اشترى من يعتق عليه باطنا كقريبه على الصحيح أو ظاهرا كما إذا أقر بحرية مسلم في يد غيره على الراجح قال الشيخ صدر الدين بن المرحل وتركا ثامنة وهي إذا قلنا الإقالة فسخ فهل ينفذ التقابل فيه خلاف الرد بالعيب وتوجيه الجواز مشكل فإن التمليك فيه اختياري غير مستند إلى سبب قال ولعل المحاملي لم يترك هذه المسألة إلا لكونه رأى الإقالة تجعل العقد كأنه لم يكن ولذلك لم تثبت به الشفعة فهو كالاستدامة ويرد عليه بالعيب وأن الأصحاب رجحوا أنه لو وكله في بيع عبد فباعه ثم وجد به المشتري عيبا ورده على الوكيل أنه ليس له أن يبيعه ثانيا ولم يجعلوا العقد كأنه لم يكن وذكروا أنه لو أوصى له أن يبيع عبده ويشتري جارية بثمنه ويعتقها فوجد المشتري بالعبد عيبا فرده على الوصي أن الوصي يبيعه ثانيا ويدفع ثمنه للمشتري وفرقوا بينه وبين الوكيل بأن الإيصاء تولية وتفويض كلي ولا كذلك الوكالة والفرق المذكور والحكم في الوكيل يخالفان ما قرره الرافعي وغيره من أنه يجوز الرد بالعيب في العبد المسلم على الكافر وما تقدم من أن الفسخ يجعل العقد كأنه لم يكن ويقوي الإشكال في الإقالة قال وتركا تاسعة أيضا وهي إذا كان بين كافر ومسلم عبد مشترك فأعتق الكافر نصيبه وهو موسر سرى عليه وعتق سواء قلنا يقع العتق بنفس الإعتاق أو بأداء القيمة لأنه متقوم عليه شرعا لا باختياره كالإرث قلت وتركوا مسائل منها إذا جاز له نكاح الأمة بشرطها وكانت لكافر هل يجوز الصحيح الجواز وينعقد الولد مسلما تبعا لأبيه أو أمه وينعقد على ملك الكافر ثم يؤمر بإزالة ملكه عنه بطريقة من أهلها يعرف بابن فرغان بفتح الفاء وإسكان الراء وبالغين المعجمة تفقه على الشيخ أبي حامد ذكر الشيخ وقال ابن باطيش إنه مات بالموصل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة صاحب التفسير كان أوحد زمانه في علم القرآن وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء عليهم السلام قال ابن السمعاني يقال له الثعلبي والثعالبي وهو لقب لا نسب روى عن أبي طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة وأبي محمد المخلدي وأبي بكر بن هانىء وأبي بكر بن مهران المقرىء وجماعة وعنه أخذ أبو الحسن الواحدي وقد جاء عن الأستاذ أبي القاسم القشيري أنه قال رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه أقبل الرجل الصالح فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل ومن شعر الثعلبي وإني لأدعو الله والأمر ضيق ** علي فما ينفك أن يتفرجا ورب فتى سدت عليه وجوهه ** أصاب له في دعوة الله مخرجا توفي في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة
ذهب الثعلبي إلى أن الدم الباقي على اللحم وعظامه غير نجس قال لمشقة الاحتراز عنه قال ولأن النهى إنما ورد عن الدم المسفوح وهو السائل المحدث الحافظ الزاهد الصالح طاووس الفقراء سمع ببلاد ما وراء النهر وبلاد خراسان والري وأصبهان والبصرة والكوفة وبغداد والشام ومصر ولقي عامة الشيوخ والحفاظ الذين عاصرهم وحدث عن محمد بن عبد الله السليطي وأبي أحمد بن عدي وأبي عمرو بن نجيد وأبي الشيخ الأنصاري وأبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر القطيعي ويوسف الميانجي وخلائق يطول ذكرهم روى عنه أبو حازم العبدوي والحافظ عبد الغني وتمام الرازي وأبو بكر البيهقي وأبو بكر الخطيب وعبد الرحمن بن مندة وأبو عبد الله القصاعي وأبو الحسن الخلعي والحسين بن طلحة النعالي وآخرون قال الخطيب كان أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه قال وكان ثقة متقنا صالحا قلت استوطن مصر بالآخرة وبها توفي يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سنة اثنتى عشرة وأربعمائة ووهم حمزة السهمي فقال في تاريخ جرجان إن وفاته سنة تسع وأربعمائة 270أحمد بن محمد بن أحمد بن دلويه سمع بنيسابور أبا أحمد الحاكم وأبا العباس أحمد بن محمد بن إسحاق الأنماطي ومحمد ابن عبد الله الجوزقي ونحوهم وقدم بغداد فسمع من الدارقطني وطبقته واستوطنها إلى حين وفاته وولى القضاء بعكبرا من قبل القاضي أبي بكر محمد بن الطيب قال الخطيب وكان ينتحل في الفقه مذهب الشافعي وفي الأصول مذهب الأشعري وله حظ في معرفة الأدب والعربية وحدث شيئا يسيرا وكتبت عنه وكان صدوقا ثم قال سألته عن مولده فقال لا أحقه لكنني أظنه سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ومات في ثامن عشرى شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وأربعمائة الشيخ أبو حامد شيخ طريقة العراق حافظ المذهب وإمامه جبل من جبال العلم منيع وحبر من أحبار الأمة رفيع ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وقدم بغداد شابا فتفقه على الشيخين ابن المرزبان والداركي حتى صار أحد أئمة وقته وحدث عن عبد الله بن عدي وأبي بكر الإسماعيلي وأبي الحسن الدارقطني وإبراهيم بن محمد بن عبدك الإسفرايني وغيرهم روى عنه سليم الرازي قال الشيخ أبو إسحاق انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا ببغداد وعلق عنه تعاليق في شرح المزني وطبق الأرض بالأصحاب وجمع مجلسه ثلاثمائة متفقة واتفق الموافق والمخالف علىتفضيله وتقديمه في جودة الفقه وحسن النظر ونظافة العلم انتهى وقال الخطيب سمعت من يذكر أنه كان يحضر مجلسه سبعمائة متفقة وكان الناس يقولون لو رآه الشافعي لفرح به وكان عظيم الجاه عند الملوك مع الدين الوافر والورع والزهد والاستيعاب للأوقات بالتدريس والمناظرة ومؤاخذة النفس على دقيق الكلام ومحاسبتها على هفوات اللسان وإن بدرت في أثناء الإحسان قال أبو حيان التوحيدي سمعت الشيخ أبا حامد يقول لطاهر العباداني لا تعلق كثيرا مما تسمع مني في مجالس الجدل فإن الكلام يجري فيها على ختل الخصم ومغالطته ودفعه ومغالبته فلسنا نتكلم لوجه الله خالصا ولو أردنا ذلك لكان خطونا إلى الصمت أسرع من تطاولنا في الكلام وإن كنا في كثير من هذا نبوء بغضب الله تعالى فإنا مع ذلك نطمع في سعة رحمة الله قلت وهو طمع قريب فإن ما يقع في المغالطات والمغالبات في مجالس النظر يحصل به من تعليم إقامته الحجة ونشر العلم وبعث الهمم على طلبه ما يعظم في نظر أهل الحق ويقل عنده قلة الخلوص وتعود بركة فائدته وانتشارها على عدم الخلوص فقرب من الإخلاص إن شاء الله تعالى وهذه الحكاية عن الشيخ أبي حامد تدل على أن ما كان يكتب عنه بإذنه فقد أخلص عنه وقد كتب عنه من العلم ما لم يكتب نظيره عن أحد بعده فلله هذا الإخلاص في هذه الكثرة فإنه طبق الدنيا بعلمه وما كتب عنه قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي سألت القاضي أبا عبد الله الصيمري وكان إمام أصحاب أبي حنيفة في زمانه هل رأيت أنظر من الشيخ أبي حامد فقال ما رأيت أنظر منه ومن أبي الحسن الخرزي الداوودي قال الشيخ وكان أبو الحسين القدوري إمام أصحاب أبي حنيفة في عصرنا يعظمه ويفضله على كل أحد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة قال أخبرنا ابن عبد السلام أخبرنا الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز أبادي قال حكى لي رئيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى أبو القاسم على بن الحسين عن أبي الحسين القدوري أنه قال الشيخ أبو حامد عند أفقه وأنظر من الشافعي قال رئيس الرؤساء فاغتظت منه من هذا القول وبه إلى الشيخ أبي إسحاق قال قلت هذا القول من أبي الحسين حمله عليه اعتقاده في الشيخ أبي حامد وتعصبه للحنفية على الشافعي وما مثل الشافعي ومثل من بعده إلا كما قال الشاعر نزلوا بمكة في قبائل نوفل ** ونزلت بالبيداء أبعد منزل وعن سليم الرازي أن الشيخ أبا حامد كان في أول أمره يحرس في بعض الدروب ويطالع العلم في زيت الحرس وأنه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة وأقام يفتي إلى أن مات ولما قربت وفاته قال لما تفقهنا متنا وكان الشيخ أبو حامد رفيع الجاه في الدنيا ووقع من الخليفة أمير المؤمنين ما أوجب أن كتب إليه الشيخ أبو حامد اعلم أنك لست بقادر على عزلي عن ولايتي التي ولانيها الله تعالى وأنا أقدر أن أكتب رقعة إلى خراسان بكلمتين أو ثلاث أعزلك عن خلافتك وحكى أنه أرسل إلى مصر فاشترى أمالي الشافعي بمائة دينار ومن شعر أبي الفرج الدارمي صاحب الاستذكار وقد عاده الشيخ أبو حامد في مرضة مرضها مرضت فارتحت إلى عائد ** فعادني العالم في واحد ذاك الإمام ابن أبي طاهر ** أحمد ذو الفضل أبو حامد ومن شعر الشيخ أبي حامد لا يغلون عليك الحمد في ثمن ** فليس حمد وإن أثمنت بالغالي الحمد يبقى على الأيام ما بقيت ** والدهر يذهب بالأحوال والمال ومن محاسن الشيخ أبي حامد أنه اتفق في سنة ثمن وتسعين وثلاثمائة وقوع فتنة بين أهل السنة والشيعة ببغداد بسبب إخراج الشيعة مصحفا قالوا إنه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف كلها فثار عليهم أهل السنة وثاروا هم أيضا ثم آل الأمر إلى جمع العلماء والقضاة في مجلس فحضر الشيخ أبو حامد وأحضر المصحف المشار إليه فأشار الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه ففعل ذلك بمحضر منهم فغضبت الشيعة وقصد جماعة من أحداثهم دار الشيخ أبي حامد ليؤذوه فانتقل منها ثم سكن الخليفة الفتنة وعاد الشيخ أبو حامد إلى داره توفي الشيخ أبو حامد في شوال سنة ست وأربعمائة ودفن بداره ثم نقل سنة عشرة إلى المقبرة وعليه تأول جماعة من العلماء حديث ( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها )
أخبرنا الحافظ أبو عبد الله بقراءتي عليه أخبرنا الحسن بن علي الخلال ويوسف ابن أبي نصر الشقاري سماعا قالا أخبرنا الرشيد أبو الفضل محمد بن عبد الكريم ابن الهادي أخبرنا عبد الله بن صابر السلمي أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني أخبرنا الشيخ الفقيه الفاضل أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي قراءة عليه من أصل كتابه أخبرنا الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبدك الشعراني أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا المعتمر وشعيب بن إسحاق قالا حدثنا ابن عون عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله ( الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهه لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الحرام كان أوقى لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهة وقع في الحرام كالراتع يرتع حول الحمى وإن حمى الله في الأرض محارمه ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يجسر ) قال ابن المتوكل وزاد فيه غيره عن زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فما أنكر قلبك فدعه )
وقع في كتاب الملل والنحل لأبي الفتح الشهرستاني في أوائله أن فلاسفة الإسلام الذين فسروا كتب الحكمة من اليونانية إلى العربية وأكثرهم على رأي أرسطاليس حنين بن إسحاق وأبو الفرج المفسر وأبو سليمان السجزي ويحيى النحوي ويعقوب بن إسحاق الكندي وأبو سليمان محمد بن معشر المقدسي وأبو بكر بن ثابت بن قرة الحراني وأبو تمام يوسف بن محمد النيسابوري وأبو زيد أحمد بن سهل البلخي وأبو محارب الحسن بن سهل وابن محارب القمي وأبو حامد أحمد بن محمد الإسفزاري وأبو زكريا يحيى بن عدي والصيمري وأبو نصر الفارابي وطلحة النسفي وأبو الحسن العامري والرئيس أبو علي بن سينا انتهى ملخصا وأبو حامد الإسفزاري المشار إليه فيلسوف من بلدة إسفزار بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وبالفاء والزاي المكسورتين وفي آخرها الراء مدينة بين هراة وسجستان وإنما نبهت على هذا لأنه تصحف على بعض الناس ممن تكلم معي وقال لي كان الشيخ أبو حامد من فلاسفة الإسلام فقلت له إن الشيخ أبا حامد شيخ العراق لا يدري الفلسفة ولا هو من هذا القبيل فأحضر إلي الكتاب وقد تصحف عليه الإسفزاري بالإسفرايني فعرفته ذلك ثم أحببت التنبيه على ذلك هنا لئلا يقع فيه غيره كما وقع هو
وقفت على أكثر تعليقة الشيخ أبي حامد بخط سليم الرازي وهي الموقوفة بخزانة المدرسة الناصرية بدمشق والتي علقها البندنيجي عنه ونسخ أخر منها وقد يقع فيها بعض تفاوت وعلى كتابه في أصول الفقه وعلى المختصر المسمى بالرونق المنسوب إليه وكان الشيخ الإمام رحمه الله يتوقف في ثبوته عنه وسمعته غير مرة إذا عزا النقل إليه يقول الرونق المنسوب إلى الشيخ أبي حامد ولا يجزم القول بأنه له قال في التعليقة في كتاب الفرائض في تاريخ نزول المواريث وعن خط سليم نقلته إن غزوة خيبر كانت في سنة خمس وفي كلامه ما يشعر أن ذلك من كلام الشافعي وهذا غريب ونقل صاحب البيان عن الشيخ أبي حامد أنه قال إذا باع كرسف بغداد وخراسان وما لا يحمل إلا سنة وكان جوزه قد انعقد وقوي وتشقق حتى بدا منه القطن لا يصح البيع كالطعام في سنبله قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى في شرح المهذب وهو محمول على غلط النسخة وفي الرونق هل تجب الزكاة في اللوز والبلوط فيه قولان وهذا غريب ذكر صاحب الحاوي في باب المطلقة ثلاثا أن الشيخ أبا حامد ذهب إلى أنه لا يجب الغسل ولا يتعلق أحكام الوطء لمن أدخل ذكره في الفرج غير منتشر بيده لأنه لا شهوة إلا مع الانتشار ذكر الشيخ أبو حامد في باب الوكالة من تعليقته أنه لو شهد أبو الموكل أو ابناه أبو أبواه وابنه على الموكل بأنه وكل لم تقبل كذا نص عليه في أثناء الباب قال لأن شهادة الأب لا تقبل لابنه وشهادة الابن لا تقبل لأبيه كذا رأيته به في عامة ما وقفت عليه من السنخ ب التعليقة ونقله عنه صاحب البيان ونقله ابن الصباغ في الشامل لكنه لم يصرح بأن الشيخ أبا حامد قائله بل غزاه إلى بعضهم ورده وسأحكي لفظهما وهذه المسألة وقعت بدمشق سنة ست وتسعين وستمائة قال الشيخ برهان الدين بن الفركاح في كتاب الشهادات من تعليقته ولم أجدها بخصوصها منقولة وخرج فيها خلافا من مسائل ثم ذكر بعد ذلك أنه وجدها في البيان قلت ولفظ ابن الصباغ فيها فإن شهد للوكيل أو الموكل أبواه أو ابناه قال أصحابنا لا تثبت وكالته لأنه يثبت بذلك التصرف على الموكل فهي شهادة له وفيه نظر لأن هذه الوكالة تثبت بقول الموكل ويستحق الوكيل بذلك المطالبة بالحق وما يثبت بقوله يثبت بشهادة القرابة عليه كالإقرار انتهى وعبارة العمراني في البيان وإن شهد بالوكالة أبوا الموكل أو ابناه فذكر الشيخ أبو حامد أنهما لا يقبلان لأنهما يثبتان بذلك التصرف عن المتوكل فهي شهادة له قال ابن الصباغ وفيه نظر انتهى وحكى بقية كلام ابن الصباغ بنصه قلت وقال الشيخ برهان الدين ينبغي أن يكون في المسألة خلاف لأن الشهادة في الابتداء ليست للأب بل لأجنبي وهو الوكيل لكنها تتضمن إثبات فائدة للأب فيكون مأخذ الخلاف أن العبرة بالابتداء أو بالتضمن وكان الشيخ برهان الدين رحمه الله إذ ذاك ابن ست وثلاثين سنة فأخرج لهم قبل أن يجد ما في البيان قول الرافعي في كتاب الشهادات قولين حكاهما الرافعي عن حكاية قول القاضي أبي سعيد في عبد في يد زيد ادعى مدع أنه اشتراه من عمرو بعد ما اشتراه عمرو بن زيد صاحب اليد وقبضه وطالبه بالتسليم وأنكر زيد جميع ذلك فشهد ابناه للمدعي بما يقوله فإن الرافعي قال حكى القاضي أبو سعيد فيه قولين أحدهما رد شهادتهما لتضمنها إثبات الملك لأبيهما وأصحهما القبول لأن المقصود بالشهادة في الحال المدعي وهو أجنبي عنهما وذكر أيضا من كلام ابن الصلاح في فتاويه ما ذكر أنه يقرب من ذلك قلت والشيخ أبو حامد لم يذكر في التعليقة من قبل نفسه إنما نقلها عن أبي العباس بن سريج كذا يظهر لمن تأمل أول كلامه وآخره وأبو العباس له فروع في الشهادة في الوكالة ختم بها باب الوكالة وخرجها على أصل الشافعي وقدماء العراقيين يذكرونها في باب الوكالة فربما وقف عليها بعض المصنفين فأحب تأخيرها إلى مظنتها من كتاب الشهادات فإنه بها أنسب ثم لما انتهى إلى كتاب الشهادات نسيها فمن هنا جاء إهمالها ولذلك نظائر كثيرة أتى الإهمال فيها من جهة التبويب
اعلم أنه ما جاء بعد أبي العباس بن سريج من اشتهرت تصانيفه وكثرت تلامذته واتسعت أقواله وبعد عن القرين في زمانه كالشيخ أبي حامد وبهذا القيد خرجت أئمة هم أجل منه وهم بعد ابن سريج لكن لم يتهيأ لهم هذا الوصف فطالما تعقب الشيخ أبو حامد كلام أبي العباس وما جاء بعد الشيخ أبي حامد في العراقيين مثل القاضي أبي الطيب الطبري وقد تعقب كثيرا من كلام أبي حامد ومما تعقبه قال في تعليقته في باب القضاء بالشاهد واليمين بعد ما ذكر أن الجناية الموجبة للقصاص لا تثبت بالشاهد واليمين ما نصه وكذلك إذا قطعت يده من الساعد لم يسمع فيه الشاهد واليمين وغلط أبو حامد الإسفرايني في هذا فقال يسمع فيه الشاهد واليمين وليس كذلك لأن هذه الجناية تتضمن القصاص ولا يسمع فيه الشاهد واليمين ثم أطال في الرد عليه واستشهد بنص الشافعي رضي الله عنه فإن كان الجراح هاشمة أو مأمومة لم أقبل منه أقل من شاهدين وساقها على نحو المناظرتة بينه وبين الشيخ أبي حامد ولا يبعد ذلك فإن القاضي أبا الطيب كان يحضر مجلس أبي حامد وأيضا فإني لم أرها في تعليقة الشيخ أبي حامد فدل على أن ذلك كان مجلس نظر بينهما وإني ألخص المناظرة فأقول قال القاضي أبو الطيب بعد ما استشهد بالنص في الهاشمية والمأمومة ما حاصله إذا كان لا يقبل في الهاشمية أقل من شاهدين وإن كانت توجب المال لأن قبلها الموضحة وفيها القصاص فكذلك قطع اليد من الساعد لأن قبلها المفصل قال الشيخ أبو حامد الفرق بين المسئلتين أن الهشم يتضمن الإيضاح فيكون مباشرا للإيضاح الذي ثبت فيه القصاص وواضعا الحديدة في موضع ثبت فيه القصاص بخلاف القطع من ساعد فإنه وضع الحديدة في موضع لا قصاص فيه قال القاضي أبو الطيب فيجب على هذا القول أن تقول إنه لا يجب القصاص بتلك الجناية من المفصل وقد أجمعنا على وجوبه بها منه وصار في معنى الهشم قال الشيخ أبو حامد لا أسلم أن القصاص يجب بهذه الجناية من المفصل قال القاضي أبو الطيب غلط أيضا على المذهب لأن الشافعي نص على أنه إذا قطع يد رجل ويد المقطوع ذات ثلاثة أصابع ويد القاطع كاملة الأصابع لم تقطع يده الكاملة بيده الناقصة فإن رضي بأن يقتص منه في ثلاث أصابع اقتص منه فيها وأخذ الحكومة في الباقي وهذا يدل على بطلان ما قاله انتهى وهو مكان مهم قد دارت المنازعة فيه بين هذين الإمامين الجليلين ولم أجد للرافعي ولا لابن الرفعة عليه كلاما وأغرب من ذلك أن ابن أبي الدم قد تكلم عليه في شرح الوسيط ولم يتعرض له ابن الرفعة في المطلب مع تتبعه كلام ابن أبي الدم وقد قال ابن أبي الدم إن ما ذكره القاضي أبو الطيب طريقة له وإن الشيخ أبا علي قال في شرحه المختصر المزني ولو ادعى على رجل أنه قطع يده من نصف الذراع هل يثبت بشاهد ويمين فيه قولان أحدهما المنع لأنه لو ثبت لثبت القصاص في الكوع والثاني يثبت الحكومة في الذراع ولا يثبت في الكوع قصاص ولا دية قال فلو ادعى عليه جناية موجبة للمال إلا أن في ضمنها ما يوجب القود كالهاشمة والموضحة فنص الشافعي أنه لا يثبت إلا بشهادة شاهدين وحكى فيه صاحب التقريب قولا آخر أنه يثبت بشاهد ويمين ويثبت به أرش الهاشمية وعلى هذا هل يثبت القصاص في الموضحة تبعا فيه وجهان فالذي قاله الشيخ أبو حامد قول لصاحب المذهب فلا وجه لتغليطه هذا ملخص ابن أبي الدم وما حكاه صاحب التقريب من الوجهين في إثبات القصاص في الموضحة والحالة ما ذكر معروف بالإشكال فإنه كيف تتبع الموضحة الهاشمة في وجوب القصاص والمتبوع لا قصاص فيه نعم للخلاف في وجوب أرش الموضحة اتجاه لأنا وجدنا متعلقا لثبوت المال والمال يستتبع المال أما أنه يستتبع القصاص فلا وجميع ما ذكره ابن أبي الدم عن صاحب التقريب وعن الشيخ أبي علي ذكره الرافعي وابن الرفعة كلاهما في باب دعوى الدم والقسامة ولم يتعرضا لكلام الشيخين أبي حامد والقاضي أبي الطيب
ذكر أبو عاصم العبادي أن الشيخ أبا حامد قال في مجهول النسب أقام البينة أنه حر وأقام المدعي البينة أنه رقيق إن بينة الرق أولى لأنه طارئ قال وقال غيره إن بينه الحرية أولى قلت وصرح القاضي أبو سعد في الإشراف بنقل القول بتقديم الحرية عن جميع الأصحاب غير الشيخ أبي حامد وصرح الماوردي في الحاوي في كتاب النكاح عند الكلام في خيار المعتقة بحكاية وجهين أحدهما التعارض والثاني أن بينه الرق أولى والذي حزم به الرافعي في الفروع المنثورة آخر باب الدعاوي أن بينة الرق أولى كما قاله الشيخ أبو حامد وموضع الخلاف تعارض الرق وحرية الأصل أما الرق والعتق فلا يخفى أن العتق أولى وبه جزم الماوردي في كتاب النكاح والرافعي في باب الدعاوي وغيرهما وهو واضح صاحب المعاياة والشافي والتحرير وغير ذلك كان إماما في الفقه والأدب قاضيا بالبصرة ومدرسا بها وله تصانيف في الأدب حسنة منها كتاب الأدباء وقد سمع الحديث من أبي طالب بن غيلان وأبي الحسن القزويني وأبي عبد الله الصوري والقاضيين أبي الطيب والماوردي والخطيب أبي بكر وأبي بكر بن شان وغيرهم روى عنه أبو علي بن سكرة الحافظ وإسماعيل بن السمرقندي وأبو طاهر أحمد ابن الحسن الكرجي والحسين بن عبد الملك الأديب وغيرهم وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي قال ابن السمعاني فيه قاضي البصرة رجل من الرجال دخال في الأمور خرج أحد أجلاء الزمان وقال ابن النجار له النظم المليح صنف كتاب كنايات الأدباء وإشارات البلغاء جمع فيه محاسن النظم والنثر قلت لم يذكره واحد منهما بالفقه وقد كان فيه إماما ماهرا وفارسا مقداما وتصانيفه فيه تنبىء عن ذلك توفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة
قال في كتاب المعاياة إن السابي إذا وطىء الجارية المسبية يكون متملكا لها وتبعه الروياني في الفروق على ذلك وهو غريب وقال في الشافي إنه يجوز للرجل الخلوة بأمته المستبرأة وإنه يكره لمن عليه صوم رمضان أن يتطوع بصوم وحكى وجها أن ضمان نفقة اليوم للزوجة لا يصح والمشهور الصحة جد صاحب البحر وهو صاحب الجرجانيات روى عن القفال المروزي أخبرنا أحمد بن علي الجزري عن محمد بن عبد الهادي عن أبي طاهر السلفي أخبرنا أبو المحاسن الروياني بالري سنة إحدى وخمسين وخمسمائة أخبرنا جدي أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الروياني بآمل حدثنا عبد الله بن أحمد الفقيه حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال خرجت مع النبي منزلا فقال ( إيت تينك الأشائتين ) يعني نخلتين ( فقل لهما إن رسول الله أن تجتمعا ) فأتيتهما فقلت لهما فوثبت كل واحدة منهما إلى صاحبتها فخرج رسول الله أتاهما فاستتر بهما فقضى حاجته فقال لي ( ائتهما فقل لهم ارجعا ) فقلت لهما فرجعت كل واحدة منهما إلى مكانها أمين مجلس القضاء بنيسابور كان من فقهاء المذهب وكانت له ثروة ظاهرة وحشمة عالية مولده سنة عشر وأربعمائة وحدث عن أبي بكر الحيري روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ومحمد بن جامع خياط الصوف وعمر ابن أحمد الصفار وعبد الخالق بن زاهر وعبد الله بن الفراوي وهبة الرحمن القشيري وغيرهم سبط الإمام أبي بكر بن فورك من أهل نيسابور ورد بغداد واستوطنها وكان يعظ بالنظامية درس الكلام على مذهب الأشعري على أبي الحسن القزاز وتزوج بابنة الأستاذ أبي القاسم القشيري سمع أبا عثمان الصابوني وأبا الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي وأبا الحسن بن المرزبان وغيرهم روى عنه عبد الوهاب بن الأنماطي وغيره مولده في شهر رجب سنة ثمان وأربعمائة ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة حمو القاضي الصيمري تفقه ببغداد على الشيخ أبي حامد قال الخطيب ثم ولي قضاء الكوفة فخرج إليها وأقام بها دهرا طويلا وقدم بغداد وحدث عن أبي القاسم المرجي الموصلي كتبت عنه وكان ثقة وبلغنا أنه مات بالكوفة في يوم الإثنين لست خلون من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وأربعمائة مصغرا بن محمد بن جعفر بن أحمد بن موسى أبو بكر البستي من كبار أئمة نيسابور وأولى الرياسة والحشمة حدث عن أبي الحسن الدارقطني من كبار فقهاء أصحاب الشافعي والمدرسين المناظرين بنيسابور وكانت له المروءة الظاهرة والثروة الوافرة بنى لأهل العلم مدرسة على باب داره ووقف عليها جملة من ماله وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة أحد أصحاب الشيخ أبي حامد سكن بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي منها وكانت له حلقة للفتوى في جامع المنصور قال الخطيب وذكر لي أنه سمع ببلاد خراسان ولم يكن ولم يكن معه من مسموعاته غير شيء يسير كتبه بالري وهمذان عن علي بن القاسم بن شاذان القاضي وجعفر بن عبد الله الفناكي وصالح بن أحمد بن محمد التميمي قال وكان حسن الاعتقاد جميل الطريقة ثابت القدم في العلم فصيح اللسان يقول الشعر ولد سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ومات في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وأربعمائة ابن أحمد بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المروروذي المعروف بالمندري إمام فاضل تفقه على الشيخ أبي حامد في قدمه قدمها إلى بغداد وسمع من أبي أحمد الفرضي وأبي عمر بن مهدي وسمع بنيسابور من الحاكم أبي عبد الله والشيخ أبي عبد الرحمن السلمي وحدث ببغداد كتب عنه الخطيب مولده في شعبان سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ومات بمروالروذ سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وبها ولد أبو حامد الشجاعي تفقه على الشيخ أبي على السنجي ودرس مدة وكان إماما مبرزا كبير القدر سمع الحديث من الليث بن محمد الليثي وغيره روى عنه ابن أخيه بن محمود السرة مرد وعمر البسطامي الحافظ وجماعة من شيوخ ابن السمعاني وله مجلس من أماليه مروي توفي ببلخ سنة ثنتين وثمانين وأربعمائة وسبق أحمد بن محمد الشجاعي غير هذا الشيخ الجليل أبو سعيد الخوارزمي الضرير تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني قال الخطيب وكان حافظا متقنا للفقه يقال لم يكن في عصره من الشيوخ بعد أبي الطيب الطبري أفقه منه وكان يقدم على أبي القاسم الكرخي وأبي نصر الثابتي وحدث عن أبي القاسم الصيدلاني كتبت عنه وكان صدوقا مات يوم الاثنين العاشر من صفر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة قال ابن الصلاح ذكر ابن عقيل في الفنون قال قال الشيخ الإمام أبو الفضل الهمداني شيخنا في الفرائض ذاكرت بهذه المسألة يعني قول الرجل لامرأته أنت طالق لا كنت لي بمرة حيث كثر الاستفتاء فيها الشيخ أبا سعيد الضرير فقال هي على ثلاثة أقسام الأول أن يعني لا كنت لي بمرة لوقوع الطلاق عليك فيقع ما نواه من الطلاق وإن لم ينو عددا وقعت واحدة والثاني أن يعني لا كنت لي بمرة أي لا استمتعت بك فيكون معلقا بوطئها فإن وطئها وقعت طلقة الثالث أن يريد أنت طالق لا استدمت نكاحك فإن مضى زمان يمكنه فيه الإبانة فلم يبنها وقعت طلقة صاحب الغريبين في لغة القرآن ولغة الحديث أخذ اللغة عن الأزهري وغيره وروى الحديث عن أحمد بن محمد بن ياسين وأبي إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزاز الحافظ روى عنه أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبو عمر عبد الوحد ابن أحمد المليحي توفي لست خلون من رجب سنة إحدى وأربعمائة ابن أخي الشيخ أبي نصر وزوج ابنته إمام عالم جليل القدر وتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري وعلى عمه الشيخ أبي نصر وروى الحديث عن القاضي أبي الطيب والحسن بن علي الجوهري وأبي يعلى بن الفراء وأبي الحسين بن النقور وأبي القاسم بن اليسرى وأبي الغنائم بن المأمون وأبى على الحسن بن أحمد الحداد وغيرهم روى عنه محمد بن طاهر المقدسي وأبو المعمر الأنصاري وأبو الحسن بن الخل الفقيه وغيرهم قال ابن النجار كان فقيها فاضلا حافظا للمذهب متدينا يصوم الدهر ويكثر الصلاة قال وكان ينوب عن القاضي أبي محمد بن الدامغاني في القضاء بربع الكرخ ثم ولي الحسبة بالجانب الغربي بغداد قال وله مصنفات ومجموعات حسنة قال وكان خطه رديئا توفي يوم الاثنين رابع عشر المحرم سنة أربع وتسعين وأربعمائة ودفن من الغد في مقبرة باب حرب ببغداد
ذكر أن إمامة الأقلف تكره بعد البلوغ ولا تكره قبله وقال أبو منصور في الفتاوي التي جمعها من كلام عمه الشيخ أبي نصر وفيها كثير من كلامه إذا قال لزوجته أنت طالق لا بد أن تفعلي كذا أنه لم يجدها منصوصة قال أبو منصور ورأيت شيخنا يعني أبا نصر بن الصباغ يفتي أنه يكون على الفور قال وأفتى غيره بأنه يكون على التراخي وقال أبو منصور أيضا في هذه الفتاوي في مسألة العمياء هل لهما حضانةلم أجد هذه المسألة مسطورة وسألت شيخنا يعني ابن الصباغ فقال إن كان الطفل صغيرا فلها الحضانة لأنه يمكنها حفظه وإن كان كبيرا فلا حضانة لها لتعذر الحفظ قلت والأمر كما وصف من كون المسألة غير مسطورة ولم يقع البحث عنها إلا في زمان ابن الصباغ فأفتى بهذا وأفتى عبد الملك بن إبراهيم المقدسي بأنه لا حضانة لها مطلقا وأراه الأرجح هذا الرجل قد وقع الخبط في أمره وجهل أكثر الخلق حاله وأول بحثي عنه ترجمته لما كنت أقرأ طبقات الشيخ أبي إسحاق على شيخنا الذهبي مررت بقوله وبخراسان وفيما وراء النهر من أصحابنا خلق كثير كالأودني وأبي عبد الله الحليمي وأبي يعقوب الأبيوردي وأبي علي السنجي وأبي بكر الفارسي وأبي بكر الطوسي وأبي منصور البغدادي وأبي عبد الرحمن السلمي وناصر المروزي وأبي سليم الشاشي والغزالي وأبي محمد الجويني وغيرهم ممن لم يحضرني تاريخ موتهم هذا كلام الشيخ أبي إسحاق أخبرنا به أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه من أصل سماعه وهو أصل صحيح قال أخبرنا عمر بن عبد المنعم بن القواس أخبرنا زيد بن الحسن الكندي إجازة أخبرنا ابن عبد السلام أخبرنا الشيخ أبو إسحاق فذكره وقد سألت شيخنا الذهبي حالة القراءة عليه من هذا الغزالي فقال هذا زيادة من الناسخ فإنا لا نعرف غزاليا غير حجة الإسلام وأخيه ويبعد كل البعد أن يكون ثم آخر لأن هذه نسبة غريبة يقل الاشتراك فيها قال ويبعد أن يريد حجة الإسلام إذ هو مثل تلامذته وأيضا فإنه لم يذكر من أقرانه أحدا كإمام الحرمين وابن الصباغ وغيرهما فكيف يذكر من هو دونهم وأيضا فإنه ذكره قبل الشيخ أبي محمد والشيخ أبو محمد شيخ شيخ الغزالي فإنه شيخ ولده إمام الحرمين شيخ الغزالي فكل هذا مما يمهد أنه لم يرد الغزالي فقلت له إذ ذاك وثم دليل آخر قاطع على أنه لم يرد أبا حامد حجة الإسلام فقال ما هو فقلت قوله لم يحضرني تاريخ موتهم فإن هذا دليل منه على أنهم كانوا قد ماتوا ولكن ما عرف تاريخ موتهم وحجة الإسلام كان موجودا بعد موت الشيخ قال صحيح ثم ذكرت ذلك لوالدي الشيخ الإمام تغمده الله برحمته فذكر نحوا مما ذكره الذهبي وتمادى الأمر وأنا لا أقف على نسخة من الطبقات وأكشف عن هذه الكلمة إلا وأجدها فأزداد تعجبا وفكرة ثم وقعت لي نسخة عليها خط الشيخ أبي إسحاق وقد كتب عليها بأنها قرئت عليه فألفيت هذه اللفظة فيها ثم وقفت في تعليقة الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي في الزكاة في مسألة التلف بعد التمكن أنه ألزم شافعي فقيل له أليس لو تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة فكذلك بعد التمكن بخلاف ما لو أتلف فإنها لا تسقط فقال مسألة الإتلاف ممنوعة لا زكاة عليه ولا ضمان وأسند هذا المنع إلى الغزالي القديم والشيخ أبي علي تفريعا على أن الزكاة إنما تجب بالتمكن انتهى ثم وقفت في كتاب الأنساب لابن السمعاني في ترجمة الزاهد أبي علي الفارمذي على أن أبا علي المذكور تفقه على أبي حامد الغزالي الكبير فلما وقفت على هذين الأمرين سر قلبي وانشرح صدري وأيقنت أن في أصحابنا غزاليا آخر فطفقت أبحث عنه في التواريخ فلا أجده مذكورا إلى أن وقفت على ما انتقاه ابن الصلاح من كتاب المذهب في ذكر شيوخ المذهب للمطوعي فرأيته أعني المطوعي قد ذكر أبا طاهر الزيادي وعظمه ثم قال وتخرج بدرسه من لا يحصى كثرة كأبي يعقوب الأبيوردي صاحب التصانيف السائرة والكتب الفائقة الساحرة وذكره ثم قال وكأبي حامد أحمد بن محمد الغزالي الذي أذعن له فقهاء الفريقين وأقر بفضله فضلاء المشرقين والمغربين إذا جاور العلماء كان المقدم وإن ناظر الخصوم كان الفحل المقرم وله في الخلافات والجدل ورءوس المسائل والمذهب تصانيف انتهى فازددت فرحا وسرورا وحمدت الله حمدا كثيرا وقد وافق هذا الشيخ حجة الإسلام في النسبة الغريبة والكنية واسم الأب ثم بلغني أنه عمه فقيل لي أخو أبيه وقيل عم أبيه أخو جده ثم حكى لي سيدنا الشيخ الإمام العلامة ولي الله جمال الدين عمدة المحققين محمد بن محمد بن محمد الجمالي حياه الله وبياه وأمتع ببقياه أن قبر هذا الغزالي القديم معروف ومشهور بمقبرة طوس وأنهم يسمونه الغزالي الماضي وأنه جرب من أمره أنه من كان به هم ودعا عند قبره استجيب له أبو حامد الراذكاني وراذكان براء مهملة ثم ألف ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة ثم كاف ثم ألف ثم نون من قرى طوس وهذا الراذكاني أحد أشياخ الغزالي في الفقه تفقه عليه قبل رحلته إلى إمام الحرمين الفقيه أبو الفضل الضبعي السرخسي من أهلها الهوذي من أقارب خارجة من مصعب الضبعي بضاد معجمة مضمومة بعدها باء موحدة مفتوحة قدم بغداد شابا فتفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني وسمع بها وبخراسان من طائفة وكان بارعا مناظرا واعظا كبير القدر ذكره أبو الفتح العياضي في رسالته فقال وأبو الفضل الهوذي في الفقه ما أثبته وفي مجلس النظر ما أنظره وعلى المنبر ما أفصحه وقال ابن السمعاني إنه حدث سرخس ب سنن أبي داود عن القاضي أبي عمر الهاشمي وكانت ولادته تقريبا في سنة ولادته تقريبا في سنة سبعين وثلاثمائة قال شيخنا الذهبي أتوهمه بقي إلى حدود الخمسين وأربعمائة كان عالما رئيسا رأس في حياة أبيه وكان رئيس مدينة جرجان والمشار إليه ورحل في صباه فسمع أبا العباس الأصم ودعلج بن أحمد وأبا بكر الشافعي وأبا يعقوب البحيري وابن رحيم الكوفي وخلقا روى عنه حمزة السهمي وقال في تاريخه كان له جاه عظيم وقبول عند الخاص والعام في كثير من البلدان وتحل بكتابه العقد وكان يعرف الحديث ويدريه وأول ما جلس للإملاء في حياة والده أبي بكر الإسماعيلي وفي سنة ست وستين في مسجد الصفارين إلى أن توفي والده ثم انتقل إلى المسجد الذي كان والده يملي فيه ويملي كل سبت إلى أن توفي وكانت وفاته في يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعمائة وصلى عليه أبو معمر الإسماعيلي قلت ذكره ابن عساكر في كتاب التبيين لكونه هو وأهل بيته من أجلاء الأشعرية وقول شيخنا الذهبي في ترجمة المذكور وزعم ابن عساكر أنه كان أشعريا لا يتوهم منه أن الأمر عنده بخلاف ذلك فإن أشعرية هذا الرجل وأهل بيته أوضح من أن تخفى ولكن شيخنا على عادته في الإيهام غضا من الأشاعرة سامحه الله
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا محمد بن أبي العز بطرابلس عن محمود بن مندة أخبرنا أبو رشيد أحمد بن محمد أخبرنا عبد الوهاب بن مندة سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أخبرنا أحمد بن عمرو بن الخليل الآملي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا عمرو بن عون أنبأنا ابن المبارك عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة قال قال رسول الله ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) من علماء خوارزم سمع بها من الشريف هبة الله بن الحسين العباسي وبمرو من أبي عبد الله الشيرنخشيري وتفقه بخوارزم على أبيه وبمرو على الشيخ أبي القاسم الفوراني قال صاحب الكافي كان من مشاهير صدور خوارزم وفضلائها وفقهائها وبيته بخوارزم بيت علم وديانة ورياسة وثروة تولى القضاء بكاث والخطابة ورياسة الفريقين إلى أن توفي لا ينازع في شيء منها قال وكان قاضيا عدلا ومناظرا فحلا وذكر أن أبا عثمان سعيد بن محمد الخوارزمي المعروف برئيس كركانج خوارزم وكان من فحول مناظري بخارى في عهده كان يقول لو دخلت خوارزم وناظرت القاضي الكعبي لقطعته فلما دخلها اجتمعا وتناظرا في مسألة نقصان الولادة هل ينجبر بالولد ظهر كلام القاضي عليه غاية الظهور وخجل رئيس كركانج قال القاضي الكعبي سمعت الشيرنخشيري ينشد ويقول أقبل معاذير من يأتيك معتذرا ** إن بر عندك فيما قال أو فجرا فقد أطاعك من يأتيك معتذرا ** وقد أجلك من يعصيك مستترا قال صاحب الكافي توفي القاضي الكعبي في مستهل صفر سنة إحدى وثمانين وأربعمائة بكاث وحمل تابوته إلى خشراخان ودفن بها في مقبرة الكعبية وجلس ابنه أبو سعيد مكانه في القضاء والخطابة ورياسة الفريقين
|