الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
والد إمام الحرمين أوحد زمانه علما ودينا وزهدا وتقشفا زائدا وتحريا في العبادات كان يلقب بركن الإسلام له المعرفة التامة بالفقه والأصول والنحو والتفسير والأدب وكان لفرط الديانة مهيبا لا يجري بين يديه إلا الجد والكلام إما في علم أو زهد وتحريض على التحصيل سمع الحديث من القفال وعدنان بن محمد الضبي وأبي نعيم عبد الملك بن الحسن وابن محمش وببغداد من أبي الحسين بن بشران وجماعة روى عنه ابنه إمام الحرمين وسهل بن إبراهيم المسجدي وعلى بن أحمد المديني وغيرهم تفقه أولا على أبي يعقوب الأبيوردي بناحية جوين ثم قدم نيسابور واجتهد في التفقه على أبي الطيب الصعلوكي ثم ارتحل إلى مرو قاصدا القفال المروزي فلازمه حتى تخرج به مذهبا وخلافا وأتقن طريقته وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة وقعد للتدريس والفتوى ومجلس المناظرة وتعليم الخاص والعام وكان ماهرا في إلقاء الدروس وأما زهده وورعه فإليه المنتهى قال الإمام أبو سعيد بن الإمام أبي القاسم القشيري كان أئمتنا في عصره والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحميدة أنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في عصره لما كان إلا هو من حسن طريقته وزهده وكمال فضله وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقل إلينا شمائله ولافتخروا به ومن ورعه أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلى الجدار المشترك بينه وبين جيرانه ولا يدق فيه وتدا وأنه كان يحتاط في أداء الزكاة حتى كان يؤدي في سنة واحدة مرتين حذرا من نسيان النية أو دفعها إلى غير المستحق وعن الشيخ أبي محمد أنه قال نحن من العرب من قبيلة يقال لها سنبس ومن ظريف ما يحكى ما ذكره أبو عبد الله الفراوي قال سمعت إمام الحرمين يقول كان والدي يقول في دعاء قنوت الصبح اللهم لا تعقنا عن العلم بعائق ولا تمنعنا عنه بمانع قال إمام الحرمين وكان أبو القاسم السياري يوما اقتدى بوالدي في صلاة الصبح وقد سبق بركعة فلما قضاها قال في دعاء القنوت هذا الدعاء فقلت له لا تقل هذا في دعاء القنوت فقال أنت تخرج على كل أحد حتى على أبيك قلت كان إمام الحرمين يرى أن الاعتدال ركن قصير فلا يزاد فيه على المأثور لأنه يطول به وفي بطلان الصلاة بتطويل اعتدال الركوع خلاف معروف بين الأصحاب مبني على قصره أو طوله بل بالغ الإمام أي إمام الحرمين فقال في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء وأشار غيره إلى تردد فيها والمعروف الصواب وجوبها . . وروي أن الشيخ أبا محمد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام فأومأ لتقبيل رجليه فمنعه ذلك تكريما له قال فقبلت عقبيه وأولت ذلك البركة والرفعة تكون في عقبي قلت فأي بركة ورفعة مثل إمام الحرمين ولده توفي الشيخ أبو محمد سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة بنيسابور قال الحافظ أبو صالح المؤذن غسلته فلما لففته في الأكفان رأيت يده اليمنى إلى الإبط زهراء منيرة من غير سوء كأنها تتلألأ تلألؤ القمر فتحيرت وقلت هذه من بركات فتاويه ومن تصانيفه الفروق والسلسلة والتبصرة والتذكرة ومختصر المختصر وشرح الرسالة وله مختصر في موقف الإمام والمأموم ووقفت على شرح على كتاب عيون المسائل التي صنفها أبو بكر الفارسي ذكر كاتبه وهو إسماعيل بن أحمد النوكاني الطريثيثي أنه علقه عن الشيخ أبي محمد الجويني وقد قدمت ذكر هذا الشرح في ترجمة الفارسي لكني رأيت الروياني ينقل في البحر أشياء جمة عن شرح عيون المسائل للقفال أخذها بألفاظها في هذا الشرح وربما أتت على سطور كثيرة كما قال في البحر في انعقاد النكاح بالمكاتبة إن القفال قال في شرح عيون المسائل فذكر أسطرا كثيرة هي بعبارتها موجودة في هذا الشرح ومثل هذا كثير فتحيرت لأن وجدان هذا الأصل بخط المعلق نفسه يعين أنه كلام الشيخ أبي محمد ونقل الروياني يقتضى أنه كلام القفال ولعل الشيخ أبا محمد أملاه عن شيخه القفال ليجتمع هذان الأمران وإلا فكيف السبيل إلى الجمع وله تفسير كبير يشتمل على عشرة أنواع في كل آية وكتاب المحيط وسنشرح خبره ومن شعره يرثي بعض أصدقائه ولم أسمع له غيرهما رحمه الله تعالى رأيت العلم بكاء حزينا ** ونادى الفضل واحزنا وبوسى سألتهما بذاك فقيل أودى ** أبو سهل بن موسى
الذي كان الشيخ أبو محمد قد بدأ فيه ثم رجع عن إتمامه لكلام أرسله إليه الحافظ أبو بكر البيهقي رحمهم الله تعالى كان الشيخ أبو محمد قد شرع في كتاب سماه المحيط عزم فيه على عدم التقيد بالمذهب وأنه يقف على مورد الأحاديث لا يعدوها ويتجنب جانب المعصية للمذاهب فوقع إلى الحافظ أبي بكر البيهقي منه ثلاثة أجزاء فانتقد عليه أوهاما حديثية وبين أن الآخذ بالحديث الواقف عنده هو الشافعي رضي الله تعالى عنه وأن رغبته عن الأحاديث التي أوردها الشيخ أبو محمد إنما هي لعلل فيها يعرفها من يتقن صناعة المحدثين فلما وصلت الرسالة إلى الشيخ أبي محمد قال هذه بركة العلم ودعا للبيهقي وترك إتمام التصنيف فرضى الله عنهما لم يكن قصدهما غير الحق والنصيحة للمسلمين وقد حصل عند البيهقي مما فعله الشيخ أبو محمد أمر عظيم كما يظهر من كلامه في هذه الرسالة وأنا أرى أن أسوقها بكمالها لتستفاد فإنها مشتملة على فوائد مهمة ودالة على عظيم قدر البيهقي وفيها أيضا مواضع من كتاب المحيط انتقدها البيهقي فتستفاد أيضا وبالله التوفيق
كتب إلي أبو عبد الله الحافظ وخلق من مشيختنا عن أبي الفضل بن عساكر عن أبي روح الهروي عن أبي المظفر بن السمعاني عن أبيه الحافظ أبي سعد قال أخبرنا أبو نصر علي بن مسعود بن محمد الشجاعي إذنا قال حدثنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال سلام الله ورحمته على الشيخ الإمام وإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأصلي على رسوله بعد عصمنا الله بطاعته وأكرمنا بالاعتصام بسنة خيرته من بريته على الاقتداء بالسلف الصالحين من أمته وعافانا في ديننا ودنيانا وكفانا كل هول دون الجنة بفضله ورحمته إنه واسع المغفرة والرحمة وبه التوفيق والعصمة فقلبي للشيخ أدام الله عصمته وأيد أيامه مقتد ولساني له بالخير ذاكر ولله تعالى على حسن توفيقه إياه شاكر والله جل ثناؤه يزيده توفيقا وتأييدا وتسديدا وقد علم الشيخ أدام الله توفيقه اشتغالي بالحديث واجتهادي في طلبه معظم مقصودي منه في الابتداء التمييز بين ما يصح الاحتجاج به من الأخبار وبين ما لا يصح حتى رأيت المحدثين من أصحابنا يرسلونها في المسائل على ما يحضرهم من ألفاظها من غير تمييز منهم بين صحيحها وسقيمها ثم إذا احتج عليهم بعض مخالفيهم بحديث شق عليهم تأويله أخذوا في تعليله بما وجدوه في كتب المتقدمين من أصحابنا تقليدا ولو عرفوه معرفتهم لميزوا صحيح ما يوافق أقوالهم من سقيمه ولأمسكوا عن كثير مما يحتجون به وإن كان يطابق آراءهم ولاقتدوا في ترك الاحتجاج برواية الضعفاء والمجهولين بإمامهم فشرطه فيمن يقبل خبره عند من يعني بمعرفته مشهور وهو بشرحه في كتاب الرسالة مسطور وما ورد من الأخبار بضعف روايته أو انقطاع إسناده كثير والعلم به على من جاهد فيه سهل يسير وقد أحتج في ترك الاحتجاج بالمجهولين بما أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي ) قال الشافعي أحاط العلم أن النبي يأمر أحدا بحال أن يكذب على بني إسرائيل ولا على غيرهم فإذ أباح الحديث عن بني إسرائيل فليس أن يقبلوا الحديث الكذب على بني إسرائيل لأنه يروى عنه قال ( من حدث بحديث وهو يراه كذبا فهو أحد الكاذبين ) وإنما أباح قبول ذلك عمن حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه قال وإذ فرق بين الحديث عنه والحديث عن بني إسرائيل فقال ( حدثوا عني ولا تكذبوا علي ) فالعلم إن شاء الله يحيط أن الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي وذلك الحديث عمن لا يعرف صدقه ثم حكى الشافعي في رد حديث الضعفاء عن ابن عمر وعن عروة بن الزبير وسعد بن إبراهيم وحكاه في كتاب العمري عن عطاء بن أبي رباح وطاوس وابن سيرين وإبراهيم النخعي ثم قال ولا لقيت ولا علمت أحدا من أهل العلم بالحديث يخالف هذا المذهب قال الشيخ الفقيه أحمد وإنما يخالفه بعض من لا يعد من أهل الحديث فيرى قبول رواية المجهولين ما لم يعلم ما يوجب رد خبرهم وقد قال الشافعي رضي الله عنه في أول كتاب الطهارة حين ذكر ما تكون به الطهارة من الماء واعتمد فيه على ظاهر القرآن وقد روي فيه النبي يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه ثم ذكر حديثه عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة عن النبي البحر وعسى لم يخطر ببال فقيه من فقهاء عصرنا ريب في صحة هذا الحديث وإمامه يقول في إسناده من لا أعرفه وإنما قال ذلك لاختلاف وقع في اسم المغيرة ابن أبي بردة ثم في وصله بذكر أبي هريرة مع إيداع مالك بن أنس إياه كتابه الموطأ ومشهور فيما بين الحفاظ أنه لم يودعه رواية من يرغب عنه إلا رواية عبد الكريم أبي أمية وعطاء الخراساني فقد رغب عنهما غيره وتوقف الشافعي في إيجاب الغسل من غسل الميت واعتذر بأن بعض الحفاظ أدخل بين أبي صالح وبين أبي هريرة إسحاق مولى زائدة وأنه لا يعرفه ولعله أن يكون ثقة وتوقف في إثبات الوقت الثاني لصلاة المغرب مع أحاديث صحاح رويت فيه بعد إمامة جبريل عليه السلام النبي لم يثبت عنده من عدالة رواتها ما يوجب قبول خبرهم وكأنه وقع لمحمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله بعده ما وقع له حتى لم يخرج شيئا من تلك الأحاديث في كتابه ووقف مسلم بن الحجاج رحمه الله على ما يوجب قبول خبرهم ووثق بحفظ من رفع المختلف في رفعه منها فقبله وأخرجها في الصحيح وهو في حديث أبي موسى وبريرة وعبد الله بن عمرو واحتج الشافعي رحمه الله في كتاب أحكام القرآن برواية عائشة في أن زوج بريرة كان عبدا وأن بعض من تكلم معه قال له هل تروون عن غير عائشة أنه كان عبدا قال الشافعي في المعتقة وهي أعلم به من غيرها وقد روي من وجهين قد أثبت أنت ما هو أضعف منهما ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما فذكر حديث عكرمة عن ابن عباس وحديث القاسم العمري عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمرو أن زوج بريرة كان عبدا وحديث عكرمة عن ابن عباس قد أخرجه البخاري في الصحيح إلا أن عكرمة مختلف في عدالته كان مالك بن أنس رحمنا الله وإياه لا يرضاه وتكلم فيه سعيد بن المسيب وعطاء وجماعة من أهل العلم بالحديث ولذلك ترك مسلم بن الحجاج الاحتجاج بروايته في كتابه والقاسم العمري ضعيف عندهم قال الشافعي لخصمه نحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما وقال في أثرين ذكرهما في كتاب الحدود وهاتان الروايتان وإن لم يخالفانا غير معروفتين ونحن نرجو ألا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لا يثبت خبره بمعرفته عنده وله من هذا أشياء كثيرة يكتفي بأقل من هذا من سلك سبيل النصفة فهذا مذهبه في قبول الأخبار وهو مذهب القدماء من أهل الآثار قال البيهقي رضي الله عنه وكنت أسمع رغبة الشيخ رضي الله عنه في سماع الحديث والنظر في كتب أهله فأشكر إليه وأشكر الله تعالى عليه وأقول في نفسي ثم فيما بين الناس قد جاء الله عز وجل بمن يرغب في الحديث ويرغب فيه من بين الفقهاء ويميز فيما يرويه ويحتج به الصحيح من السقيم من جملة العلماء وأرجو من الله أن يحيي سنة إمامنا المطلبي في قبول الآثار حيث أماتها أكثر فقهاء الأمصار بعد من مضى من الأئمة الكبار الذين جمعوا بين نوعي علمي الفقه والأخبار ثم لم يرض بعضهم بالجهل به حتى رأيته حمل العالم به بالوقوع فيه والإزراء به والضحك منه وهو مع هذا يعظم صاحب مذهبه ويجله ويزعم أنه لا يفارق في منصوصاته قوله ثم يدع في كيفية قبول الحديث ورده طريقته ولا يسلك فيه سيرته لقلة معرفته بما عرف وكثرة غفلته عما عليه وقف هلا نظر في كتبه ثم اعتبر باحتياطه في انتقاده لرواة خبره واعتماده فيمن اشتبه عليه حاله على رواية غيره فنرى سلوك مذهبه مع دلالة العقل والسمع واجبا على كل من انتصب للفتيا فإما أن يجتهد في تعلمه أو يسكت عن الوقوع فيمن يعلمه ولا يجتمع عليه وزران حيث فاته الأجران والله المستعان وعليه التكلان ثم إن بعض أصحاب الشيخ أدام الله عزه وقع إلى هذه الناحية فعرض علي أجزاء ثلاثة مما أملاه من كتابه المسمى بالمحيط فسررت به ورجوت أن يكون الأمر فيما يورده من الأخبار على طريقة من مضى من الأئمة الكبار لائقا بما خص به من علم الأصل والفرع موافقا لما ميز به من فضل العلم والورع فإذا أول حديث وقع عليه بصري الحديث المرفوع في النهي عن الاغتسال بالماء المشمس فقلت في نفسي يورده ثم يضعفه أو يصحح القول فيه فرأيته قد أملى والخبر فيه ما روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فقلت هلا قال روي عن عائشة أو روي عن ابن وهب عن مالك أو روي عن مالك أو روي عن إسماعيل بن عمرو الكوفي عن ابن وهب عن مالك أو روى خالد بن إسماعيل أو وهب بن وهب أبو البختري عن هشام بن عروة أو روى عمرو بن محمد الأعسم عن فليح عن الزهري عن عروة ليكون الحديث مضافا إلى ما يليق به مثل هذه الرواية ولا يكون في مثل هذا عن مالك بن أنس من أظنه يبرأ إلى الله تعالى من روايته ظنا مقرونا بعلم ثم إني رأيته أدام الله عصمته أول حديث التسمية وضعف ما روي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في تأويله بحديث شهد به على الأعمش أنه رواه عن شقيق ابن سلمة عن ابن مسعود عن النبي توضأ وسمى وفيمن توضأ ولم سم وهذا حديث تفرد به يحيى بن هاشم السمسار عن الأعمش ولا يشك أحد في ضعفه ورواه أيضا عبد الله بن حكيم أبو بكر الداهري عن عاصم بن محمد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وأبو بكر الداهري ضعيف لا يحتج بخبره وروي من وجه آخر مجهول عن أبي هريرة ولا يثبت وحديث التسمية قد روي من أوجه ما وجه من وجوهها إلا وهو مثل إسناد من أسانيد ما روي في مقابلته ومع ذلك فأحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول لا أعلم فيه حديثا ثابتا فقلت في نفسي قد ترك الشيخ حرس الله مهجته القوم فيما أحدثوا من المساهلة في رواية الأحاديث وأحسبه سلك هذه الطريقة فيما حكى لي عنه عن مسحه وجهه بيديه في قنوت صلاة الصبح وأحسن الظن برواية من روى مسح الوجه باليدين بعد الدعاء مع ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو بكر الخراجي قال حدثنا سارية حدثنا عبد الكريم السكري قال حدثنا وهب بن زمعة أخبرني على الناسائي قال سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه فلم يجب قال علي ولم أره يفعل ذلك قال علي وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه في القنوت وأخبرنا أبو علي الروذباري حدثنا أبو بكر بن داسة قال قال أبو داود السجستاني روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا يريد به حديث عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس عن النبي ( سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ) وروي ذلك من أوجه أخر كلها أضعف من رواية من رواها عن ابن عباس وكان أحمد بن حنبل ينكرها وحكي عنه أنه قال في الصلاة لا ولا بأس به في غير الصلاة قال الفقيه وهذا لما في استعماله في الصلاة من إدخال عمل عليها لم يثبت به أثر وقد يدعو في آخر تشهده ثم لا يرفع يديه ولا يمسحهما بوجهه إذ لم يرد بهما أثر فكذا في دعاء القنوت يرفع يديه لورود الأثر به ولا يمسح بهما وجهه إذ لم يثبت فيه أثر وبالله التوفيق وعندي أن من سلك من الفقهاء هذه الطريقة في المساهلة أنكر عليه قوله مع كثرة ما روي من الأحاديث في خلافه وإذا كان هذا اختياره فسبيله أدام الله توفيقه يملي في مثل هذه الأحاديث روي عن فلان ولا يقول روى فلان لئلا يكون شاهدا على فلان بروايته من غير ثبت وهو إن فعل ذلك وجد نفسه متبعا فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا الوليد الفقيه يقول لما سمع أبو عثمان الحيري من أبي جعفر بن حمدان كتابه المخرج على كتاب مسلم كان يديم النظر فيه فكان إذا جلس للذكر يقول في بعض ما يذكر من الحديث قال رسول الله في بعضه روي عن رسول الله فنظرنا فإذا به قد حفظ ما في الكتاب حتى ميز بين صحيح الأخبار وسقيمها وأبو عثمان الحيري يحتاط في هذا النوع من الاحتياط فيما يدير من الأخبار في المواعظ وفي فضائل الأعمال فالذي يديرها في الفرض والنفل ويحتج بها في الحرام والحلال أولى بالاحتياط وأحوج إليه وبالله التوفيق قال الفقيه وقد رأيت بعض من أوردت عليه شيئا من هذه الطريقة فزع في ردها إلى اختلاف الحفاظ في تصحيح الأخبار وتضعيفها ولو عرف حقيقة اختلافهم لعلم أن لا فرج له في الاحتجاج به كما لا فرج لمن خالفنا في أصول الديانات في الاحتجاج علينا باختلافنا في المجتهدات واختلاف الحفاظ في ذلك لا يوجب رد الجميع ولا قبول الجميع وكان من سبيله أن يعلم أن الأحاديث المروية على ثلاثة أنواع نوع اتفق أهل العلم به على صحته ونوع اتفقوا على ضعفه ونوع اختلفوا في ثبوته فبعضهم يضعف بعض رواته بجرح ظهر له وخفي على غيره أو لم يظهر له من عدالته ما يوجب قبول خبره وقد ظهر لغيره أو عرف منه معنى يوجب عنده رد خبره وذلك المعنى لا يوجبه عند غيره أو عرف أحدهما علة حديث ظهر بها انقطاعه لو انقطاع بعض ألفاظه أو إدراج لفظ من ألفاظ من رواه في متنه أو دخول إسناد حديث في إسناد غيره خفيت تلك العلة على غيره فإذا علم هذا وعرف معنى رد من رد منهم خبرا أو قبول من قبله منهم هداه الوقوف عليه والمعرفة به إلى اختيار أصح القولين إن شاء الله قال الفقيه وكنت أدام الله عز الشيخ أنظر في كتب بعض أصحابنا وحكايات من حكى منهم عن الشافعي رضي الله عنه نصا وأنظر اختلافهم في بعضها فيضيق قلبي بالاختلاف مع كراهية الحكاية من غير ثبت فحملني ذلك على نقل مبسوط ما اختصره المزني رحمه الله على ترتيب المختصر ثم نظرت في كتاب التقريب وكتاب جمع الجوامع وعيون المسائل وغيرها فلم أر أحدا منهم فيما حكاه أوثق من صاحب التقريب وهو في النصف الأول من كتابه أكثر حكاية لألفاظ الشافعي منه في النصف الأخير وقد غفل في النصفين جميعا مع اجتماع الكتب له أو أكثرها وذهاب بعضها في عصرنا عن حكاية ألفاظ لا بد لنا من معرفتها لئلا نجترىء على تخطئة المزني في بعض ما نخطئه فيه وهو عنه بريء ولنتخلص بها عن كثير من تخريجات أصحابنا ومثال ذلك من الأجزاء التي رأيتها من كتاب المحيط من أوله إلى مسألة التفريق أن أكثر أصحابنا والشيخ أدام الله عزه معهم يوردون الذنب في تسمية البحر بالمالح إلى أبي إبراهيم المزني ويزعمون أنها لم توجد للشافعي رحمه الله تعالى قد سمي الشافعي البحر مالحا في كتاببين قال الشافعي في آمالي الحج في مسألة كون المحترم في صيد البحر كالحلال والبحر إما العذب وإما المالح قال الله تعالى وذكر الشيخ أبقاه الله حدثنا الشيخ الإمام أبو بكر رحمه الله أحد قولي الشافعي في أكل الجلد المدبوغ على ما بنى عليه ثم ذكر الشيخ حفظه الله تصحيح القول بمنع الأكل من عند نفسه بإيراد حجته وقد نص الشافعي رحمه الله في القديم وفي رواية حرملة على ما هداه إليه خاطره المتين قال الزعفراني قال أبو عبد الله الشافعي في كلام ذكره يحل أن يتوضأ في جلدها إذا دبغ وذلك الذي أباح رسول الله فأبحناه كما أباحه ونهينا عن أكله بحمله أنه من ميتة ولم يرخص في غير ما رخص فيه خاصة ثم قال وليس ما حل لنا الاستمتاع ببعضه بخبر بالذي يبيح لنا ما نهينا عنه من ذلك الشيء بعينه بخبر ألا ترى أنا لا نعلم اختلافا في أنه يحل شراء الحمر والهر والاستمتاع بها ولا يبيح أكلها وإنما نبيح ما يبيح ونحظر ما حظر وقال في رواية حرملة يحل الاستمتاع به بالحديث ولا يحل أكله بأصل أنه من ميتة ورأيته أدام الله عصمته اختار في تحلية الدابة بالفضة جوازها وأظنه علم كلام الشافعي رحمه الله في كتاب مختصر البويطي والربيع ورواية موسى بن أبي الجارود حيث يقول وإن اتخذ رجل أو أمرأة آنية من فضة أو من ذهب أو ضببا بهما آنية أو ركباه على مشجب أو سرج فعليهما الزكاة وكذلك اللجم والركب هذا مع قوله في روايتهم لا زكاة في الحلي المباج وحيث لم يخص به الذهب بعينه فالظاهر أنه أراد به كليهما جميعا وإن كانت الكناية بالتذكير يحتمل أن تكون راجعة إلى الذهب دون الفضة كما قال الله عز وجل وقد علم الشيخ أبقاه الله ورود التحريم في الأواني المتخذة من الذهب والفضة عامة ثم ورود الإباحة في تحلية النساء بهما وتختم الرجال بالفضة خاصة ووقف على اختلاف الصدر الأول رضي الله عنهم في حلية السيوف واحتجاج كل فريق منهم لقوله بخبر فنحن وإن رجحنا قول من قال بإباحتها بنوع من وجوه الترجيحات ثم حظرنا تحلية السيف والسرير وسائر الآلات ولوم نقسها على التختم بالفضة ولا على حلية السيوف فتصحيح إباحة تحلية الدابة بالفضة من غير ورود أثر صحيح مما يشق ويتعذر وهو أدام الله توفيقه أهل أن يجتهد ويتخير وما استدل به من الخبر بأن أبا سفيان أهدى إلى رسول الله برته من فضة فغير مشتهر وهو إن كان فلا دلالة له في فعل أبي سفيان إذ لم يثبت عن النبي تركه ثم ركبه أو أركبه غيره وإنما الحديث المشهور عندنا ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال أهدى رسول الله هدية جملا لأبي جهل في أنفه برة فضة ليغيظ المشركين أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق . . الحديث وكان علي بن المديني يقول كنت أرى هذا من صحيح حديث ابن إسحاق فإذا هو قد دلسه حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق قال حدثني من لا أتهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس فإذا الحديث مضطرب أخبرنا بهذه الحكاية محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن صالح الهاشمي حدثنا أبو جعفر السبيعي حدثنا عبد الله بن علي المديني قال حدثني أبي فذكرها وقد روي الحديث عن جرير بن حازم عن ابن أبي نجيح ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وليس بالقوي وقد أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل أخبرنا أبو عبد الله الصفار حدثنا أحمد ابن محمد البرتي القاضي حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله جملا لأبي جهل يوم الحديبية كان استلبه يوم بدر وفي أنفه برة من ذهب وكذلك رواه أبو داود السجستاني في كتاب السنن عن محمد بن المنهال برة من ذهب أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود فذكره وقال عام الحديبية ولم يذكر قصة بدر وقد أجمعنا على منع تحلية الدابة بالذهب ولم ندع فيها ظاهر الكتاب بإيجاب الزكاة فيه وعدة إذا لم يخرجها من الكنوز بهذا الخبر وكذلك لا ندعه في الفضة وليس في الخبر إن ثبت في الفضة صريح دلالة في المسألة وبالله التوفيق والعصمة وقد حكي لي عن الشيخ أدام الله عزه أنه اختار جواز المكتوبة على الراحلة الواقفة إذا تمكن من الإتيان بشرائطها مع ما في النزول للمكتوبة في غير شدة الخوف من الأخبار والآثار الثابتة وعدم ثبوت ما روي في مقابلتها دون الشرائط التي اعتبرها وقد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الإملاء ولا يصلي المسافر المكتوبة بحال أبدا إلا حالا واحدا إلا نازلا في الأرض أو على ما هو ثابت على الأرض لا يزول بنفسه مثل البساط والسرير والسفينة في البحر ولا يصلي
قال الشيخ أبو محمد في كتابه في موقف الإمام والمأموم إن الواحد من أهل العلم إذا سأل الناس مالا واستجداهم وقال أنا أطلب ذلك لبناء مدرسة لم يكن له أن يصرفه في غير ذلك ولا أن يجعلها مسجدا ولا أن يجعلها ملكا له قال بل الواجب الصرف في تلك الجهة وإن جعلها مسجدا لم تصر مسجدا وصارت بنفس الشراء مدرسة لما تقدم من النيات المتقدمة والتقييد السابق قال وإنما ذكرنا هذا الجواب عن أصل منصوص للشافعي في بعض كتبه إلى أن قال وهذه طريقة ابن سريج انتهى ملخصا والحكم بصيرورتها مدرسة من غير أن يتلفظ بإيقافها كذلك اعتمادا على النيات السابقة غريب وأما تعين صرف المال في تلك الجهة فهو مسألة أبي زيد فيمن أعطى درهما وقيل له اغسل ثوبك به قال النووي في شرح المهذب ما نصه فرع قال أصحابنا المرة نجسة قال الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق في مسائل المياه المرارة بما فيها من المرة نجسة انتهى كلام النووي قتل ا لمرة هي ما في باطن المرارة ونجاستها هو ما ذكره في زيادة الروضة وأما المرارة ففي الحكم بنجاستها إشكال ووقفت على عبارة الشيخ أبي محمد في الفروق فلم أجدها صريحة في ذلك فإنه قال بعد ما فرق بين المترشح وغيره وأما اللبن في الباطن فليس يحصل على جهة الترشح ولكن له في الباطن مجتمع معلوم ومستقر يستقر فيه وما كان من هذا الجنس في الباطن فهو محكوم بنجاسته كالمرارة بما فيها والمثانة والمعدة إلا ما استثناه نص الشريعة فخالفنا فيه بواطن القياس وهو لبن ما يؤكل لحمه انتهى وما أراه أراد إلا ما في باطن المرارة من المرة وما في باطن المثانة والمعدة وقوله المرارة بما فيها حينئذ محمول على ما فيها دونها وكذلك المثانة والمعدة لكن رأيت في البحر للروياني التصريح بأن المعدة نفسها نجسة ذكره أثناء فرع من أوائل باب الحدث وهو أيضا غريب قال النووي في شرح المهذب ما نصه ومن خطه نقلته فرع قال الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق توضأ فغسل الأعضاء مرة مرة ثم عاد فغسلها مرة مرة ثم عاد فغسلها كذلك ثالثة لم يجز قال ولو فعل مثل ذلك في المضمضة والاستنشاق جاز قال والفرق أن الوجه واليد متباعدان ينفصل حكم أحدهما عن الآخر فينبغي أن يفرغ من أحدهما ثم ينتقل إلى الآخر وأما الفم والأنف فكعضو فجاز تطهيرهما معا كاليدين انتهى وكذا رأيته بخطه لم يجز وتطهيرهما وإنما هو فيما أحسب لم يجزىء يعني عن تأدية المغسلة الثانية والثالثة وإلا فعدم الجواز لا وجه له وإن دل عليه قوله في المضمضة والاستنشاق جاز غلا أن يراد بالجواز تأدية السنة أي لم تتأد السنة ومع ذلك فيه نظر قد يقال بل يتأدى به السنة وأما قوله فجاز تطهيرهما فسبق قلم بلا شك ومراده نظيرهما وقد رأيت لفظ الفروق وهو يشهد لما قلته وعبارته إذا توضأ فغسل وجهه مرة ويدية مرة ومسح برأسه مرة وغسل رجليه مرة ثم عاد فغسل وجهه ثانية ويديه ثانية إلى آخرها ثم فعل ذلك مرة ثالثة لم يجز ولو أنه تمضمض مرة ثم استنشق مرة ثم تمضمض ثانية ثم استنشق ثانية وكذلك الثالثة كان جائزا في أحد الوجهين والفرق بينهما أن الوجه مع اليدين عضوان متباعدان ينفصل حكم أحدهما عن الثاني والسنة أن يفرغ من سنة أحدهما ثم ينتقل إلى الثاني وأما الفم والأنف فهما في تقاربهما وتماثلهما في حكمهما كالعضو الواحد فجاز أن يوضئهما معا إلى آخر ما ذكره والشيخ أبو محمد لا يرى تجديد الوضوء حتى يؤدي بالأول عبادة ما فكأن هذه الغسلة تكون تجديدا لأن الغسلة الرابعة الموصولة في حكم التجديد مصنف فضائل الشافعي وفضائل أحمد بن حنبل وطبقات الشافعية وغير ذلك سمع من عمر بن مسرور وأبي الحسين الفارسي وأبي سعد الكنجروذي وأبي عثمان الحيري وحمزة السهمي وأحمد بن محمد الخندقي ومحمد بن علي بن محمد الطبري وكريمة بنت محمد المغازلي وأبي نعيم عبد الملك بن محمد الإستراباذي الصغير صاحب الإسماعيلي وعبد الملك بن محمد بن شاذان الجرجاني وأبي معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي وغيرهم روى عنه وجيه الشحامي وعبد الغافر الفارسي والجنيد بن محمد القايني وهبة الرحمن القشيري وآخرون ولد بجرجان سنة تسع وأربعمائة وتوفي في تاسع ذي القعدة سنة تسع وثمانين وأربعمائة قال ابن السمعاني كان إماما مناظرا مبرزا يذب عن مذهب الشافعي وكان يملي الحديث ببخارى ويروي عن عمه وغيره روى عنه أبو الوليد وصاعد بن عبد الرحمن القاضي ثم قال توفي الطرازي بعد سنة تسعين وأربعمائة نزيل بنيسابور كان إماما فاضلا زاهدا حسن السيرة قوي النفس تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب وبه تخرج واشتهر قال ابن السمعاني ثم ورد بنيسابور وصار المفتي بها سمع أبا علي بن شاذان وأبا القاسم بن بشران وغيرهما روى عنه زاهر الشحامي وابنه عبد الخالق بن زاهر وآخرون وكان ورعا تاركا للدنيا جاءه التقليد بقضاء همذان فأبى أن يقبله وقال أنا في انتظار النشور من الله تعالى على يدي عبده ملك الموت وقدومي على الآخرة أنا بهذا المنشور أليق من منشور القضاء ثم قال قعودي في هذا المسجد ساعة أحب إلي من أن أكون ملك العراقين ومسألة من العلم يستفيدها مني طالب أحب الي من عمل الثقلين توفي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وهو الذي تلقبه المعتزلة قاضي القضاة ولا يطلقون هذا اللقب على سواه ولا يعنون به عند الإطلاق غيره كان إمام أهل الاعتزال في زمانه وكان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع وله التصانيف السائرة والذكر الشائع بين الأصوليين عمر دهرا طويلا حتى ظهر له الأصحاب وبعد صيته ورحلت إليه الطلاب وولى قضاء الري وأعمالها سمع الحديث من أبي الحسن بن سلمة القطان وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب وعبد الله بن جعفر بن فارس والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي وغيرهم روى عنه القاضي أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني المفسر المعتزلي وأبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة بالري ودفن في داره
أن الأستاذ أبا إسحاق نزل به ضيفا فقال سبحان من لا يريد المكروه من الفجار فقال الأستاذ سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يختار وهذا جواب حاضر وهو شبيه بما ذكر أن بعض الروافض قال لشخص من أهل السنة يستفهمه استفهام إنكار من أفضل من أربعة رسول الله يشير إلى علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي حين لف عليهم النبي فقال له السني اثنان الله ثالثهما يشير إلى رسول الله بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقضية الغار وقوله ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) وقد سماه شيخنا الذهبي عبد الجليل تفقه على الخجندي بأصبهان ثم استوطن بغداد مدة ثم انتقل إلى بيت المقدس وسلك سبيل الورع والانقطاع إلى الله إلى أن استشهد على يد الفرنج خذلهم الله سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة في شعبان أستاذ إمام الحرمين في الكلام قال فيه عبد الغافر شيخ جليل كبير من أفاضل العصر ورءوس الفقهاء والمتكلمين من أصحاب الأشعري إمام دويرة البيهقي له اللسان في النظر والتدريس والتقدم في الفتوى مع لزوم طريقة السلف من الزهد والفقر والورع كان عديم النظير في وقته ما رئي مثله قرأ عليه إمام الحرمين الأصول وتخرج بطريقته عاش عالما عاملا وتوفي يوم الاثنين الثامن والعشرين من صفر سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة قال ابن الصلاح رأيت في ترجمة إمام الحرمين بخط بعض المعلقين عنه سمعته يقول عن الأستاذ أبي إسحاق لو أن واحدا وطىء زوجته واعتقد أنها أجنبية فعليه الحد قال ابن الصلاح وهذا يبادر الفقيه إلى إنكاره ولكن الحقائق الأصولية آخذة بضبعه فإن الأحكام ليست صفات للأعيان قلت وهذا فيه نظر وقوله الأحكام ليست صفات للأعيان مسلم ولهذا قلنا بأن هذا الوطء حرام يعاقب عليه ولو كانت صفات للأعيان لم نحرمه وأما انتفاء الحد فإنما كان لأجل الشبهة فإن أقل أحوال كونها في نفس الأمر زوجته أن تكون شبهة ينفى الحد بمثلها والأصولي لا ينكر أن الشبهات تدرأ الحدود فهذه مقالة ضعيفة لا يشهد لها فقه ولا أصول نزيل دمشق قدمها وقد كان تفقه على الكازروني قال الحافظ ولي القضاء بدمشق سنة ثمان وستين وأربعمائة حين دخل الترك دمشق وكان توليه القضاء في الشهر الذي توفي فيه القاضي أبو الحسن أحمد بن علي بن محمد النصيبي وهو ذو القعدة سنة ثمان وستين وكان عفيفا نزها مهيبا قيل إنه لم ير قط في سقاية ثم عزل عن القضاء بابن أبي حصينة المغربي وحدث بدمشق عن القاضي أبي المظفر محمد بن أحمد التميمي وأبي علي الحسن ابن علي بن أحمد بن الحسين بآمد وذكر غيرهما ثم قال وحدثنا عنه أبو محمد بن طاوس توفي في الثالث والعشرين من صفر سنة تسع وسبعين وأربعمائة أحد الأئمة ولد بأصبهان بعد الثلاثين وأربعمائة وحمل إلى سمرقند فتفقه بها وصحب عبد العزيز النخشبي وأخذ عنه علم الحديث سمع أبا الربيع طاهر بن عبد الله الإيلاقي وأحمد بن منصور المغربي النيسابوري وأبا الحسين بن النقور وغيرهم روى عنه إسماعيل بن السمرقندي ومحمد بن علي الإسفرايني نزيل مرو توفي سنة أربع وثمانين وأربعمائة ببغداد وشيع نظام الملك جنازته ولم يتبع الجنازة راكب غيره واعتذر بعلو السن صاحب التعليقة إمام أصحابنا بمرو وأحد الأجلاء من الأئمة وله الزهد والورع رحلت إليه الطلبة من الأقطار وسار اسمه مسير الشمس في الإمصار مولده سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وأربعمائة وتفقه على القاضي الحسين وسمع أبا القاسم القشيري والحسن بن علي المطوعي وأبا المظفر محمد بن أحمد التميمي وآخرين روى عنه أبو طاهر السنجي وعمر بن أبي مطيع وأحمد بن محمد بن إسماعيل النيسابوري وغيرهم قال فيه ابن السمعاني أحد أئمة الإسلام ومن يضرب به المثل في الآفاق بحفظ مذهب الشافعي الإمام ومعرفته وتصنيفه الذي سماه الإملاء سار في الأقطار مسير الشمس ورحل إليه الأئمة والفقهاء من كل جانب وحصلوه واعتمدوا عليه ومن تأمله عرف أن الرجل كان ممن لا يشق غباره في العلم ولا يثنى عنانه في الفتوى ومع وفور فضله وغزارة علمه كان متدينا ورعا محتاطا في المأكول والملبوس قال وسمعت زوجته وهي حرة بنت عبد الرحمن بن محمد بن علي السنجاني تقول إنه كان لا يأكل الأرز لأنه يحتاج إذا زرع إلى ماء كثير وصاحبه قل ألا يظلم غيره في سقي الماء قال وسمعتها تقول سرق كل شيء في داري من ملبوسي حتى المرط الذي كنت أصلي عليه وكانت طاقية الإمام عبد الرحمن زوجي على حبل في صحن الدار لم تؤخذ فوجد السارق فقبض عليه بعد خمسة أشهر ورد علينا أكثر المسروق ولم يضع إلا القليل فاتفق أن الإمام عبد الرحمن سأل السارق لم لم تأخذ الطاقية فقال أيها الشيخ تلك الطاقية أخذتها تلك الليلة مرات فكل مرة إذا قربت منها كانت النار تشتعل منها حتى كادت أن تحرقني فتركتها على الحبل وخرجت وذكر ابن السمعان أن شيخه أبا بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل الخرجردي كان إذا حدثهم عن الشيخ أبي الفرج قال أخبرنا الإمام حبر الأمة وفقيهها أبو الفرج الزاز قلت وأبو الفرج فيما أحسب نويزي بضم النون وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف في آخرها زاي وهي فيما أحسب من قرى سرخس وإليها ينسب غياث بن حمزة النويزي أحد الرواة عن يزيد بن هارون وقد فات شيخنا الذهبي ذكرها في المؤتلف والمختلف مع اشتباهها بالنويري بالراء والتويزي بمثناة وزاي وأغرب من ذلك أن شيخنا الذهبي ذكر أبا الفرج هذا فيمن توفي بعد الخمسمائة وضبط النوبزي بضم النون وإسكان الواو بعدها نون مفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة كذا رأيت بخطه فإن صح هذا فهي نسبة أخرى شبيهة بما ذكرناه وأما دعواه أن الزاز توفي بعد الخمسمائة فليس كذلك وإنما توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وأربعمائة وقد ذكر الذهبي وفاته في موضع آخر على الصواب فيما أحسب وشيرنخشير بكسر الشين المعجمة بعدها آخر الحروف ساكنة ثم راء ثم نون مفتوحتين ثم خاء معجمة ساكنة ثم شين معجمة مكسورة ثم آخر الحروف ساكنة ثم راء من قرى مرو كان فقيها محدثا قال أبو بكر بن السمعاني انتهت إليه رياسة أصحاب الحديث بمرو في عصره وأخذ الفقه عن الشيخ أبي زيد الفاشاني والحديث عن أبي العباس النضري بالنون وبالضاد المعجمة وأبي محمد بن حليم باللام وسمع منهما ومن محمد ابن المظفر الحافظ وأملى بمرو وهراة روى عنه عبد الواحد المليحي وابنه أبو عطاء وعطاء القراب وقرىء عليه الحديث ببغداد بحضرة ابن المظفر والدارقطني كان له مجلس إملاء في داره بمرو قلت قوله أصحاب الحديث يعني الشافعية وهذا اصطلاح المتقدمين لا سيما أهل خراسان إذا أطلقوا أصحاب الحديث يعنون الشافعية توفي هذا الشيخ سنة عشرين وأربعمائة قال الشيخ أبو إسحاق علقت عنه بشيراز والغندجان وكان من أصحاب أبي حامد الإسفرايني توفي يوم الجمعة خامس شهر رمضان المعظم سنة أربعمائة أحد أولاد الأستاذ أبي القاسم من السيدة الطاهرة فاطمة بنت الأستاذ أبي علي الدقاق كان أبو منصور هذا جميل السيرة ورعا عفيفا فاضلا محتاطا لنفسه في مطعمه ومشربه وملبسه مستوعب العمر بالعبادة مستغرق الأوقات بالخلوة سمع الكثير من والده ومن أبي حفص عمر بن أحمد بن مسرور وأبي سعيد زاهر بن محمد بن عبد الله النوقاني وأبي عبد الله محمد بن باكوية الشيرازي ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي وغيرهم وورد بغداد مع والده وسمع بها من القاضي أبي الطيب والماوردي وأبي بكر محمد بن عبد الملك بن بشران وسمع بمرو وبسرخس والري وهمذان ثم ورد بغداد حاجا في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وحدث بها روى عنه أبو القاسم ابن السمرقندي وغيره ثم عاد إلى نيسابور وأقام بها إلى أن توفيت والدته السيدة الخيرة الصالحة فاطمة بنت السيد وزوجة السيد وأم السادات رضي الله عنهم أجمعين وكانت وفاتها في ذي القعدة سنة ثمانين فعاد إلى بغداد طالبا للحج ومضى إلى مكة وجاور بها وبها مات مولده في صفر سنة عشرين وأربعمائة ووفاته في شعبان لسنة اثنتين وثمانين وأربعمائة صاحب التتمة أحد الأئمة الرفعاء من أصحابنا مولده سنة ست أو سبع وعشرين وأربعمائة أخذ الفقهاء عن ثلاثة من الأئمة بثلاثة من البلاد عن القاضي الحسين بمرو الروذ وعن أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي ببخارى وعن الفوراني بمرو وبرع في المذهب وبعد صيته وله كتاب التتمة على إبانة شيخه الفوراني وصل فيها إلى الحدود ومات وله مختصر في الفرائض وكتاب في الخلاف ومصنف في أصول الدين على طريق الأشعري وسمع الحديث من الأستاذ أبي القاسم القشيري وأبي عثمان الصابوني وأبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي وغيرهم وحدث بشيء يسير وروى عنه جماعة ودرس بالنظامية بعد الشيخ أبي إسحاق ثم عزل بابن الصباغ ثم أعيد واستمر إلى حين وفاته توفي ليلة الجمعة الثامن عشر من شوال سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
لو جنى على ثديها فانقطع لبنها فعليه الحكومة وكذا لو لم يكن لها ولد عند الجناية وولدت بعد ذلك فلم يدر لها لبن إذا قال أهل البصر إن الانقطاع بسب الجناية أو جوزوا أن يكون بسببها قال الرافعي عن الإمام احتمال أنه تجب الدية بإبطال منفعة الإرضاع يعني كما تجب بإبطال الإمناء قلت هذا الاحتمال هو المجزوم به في التتمة في الكلام على الثديين وذكر الرافعي في باب الوليمة قول القفال إن الضيف لا يملك ما يأكله بل هو إتلاف بإباحة المالك وقول أكثرهم إنه يملك ثم اختلافهم في أنه هل يملك بالوضع أو بالأخذ أو بالازدراد يتبين أنه ملك قبله ثم قال وزيف المتولي ما سوى الوجه الأخير وذلك يقتضى ترجيحه ومن اقتصر على كلام الرافعي هذا تخيل أن المتولي زيف قول القفال وكذلك فهم الوالد في باب القرض من شرح المهذب عن الرافعي وأنا أقول إنما أراد الرافعي أن صاحب التتمة زيف ما عدا الوجه الأخير من وجود الملك أما قول القفال فلم يضعفه فإني كشفت التتمة فلم أجده ضعفه بل سياق كلامه يقتضى تقويته ثم صرح في كتاب الأيمان أنه الصحيح وتبعه الرافعي أيضا في كتاب الأيمان على ذلك في مسألة الحالف ألا يهب قول الأصحاب إن الخمر إذا انقلبت بنفسها خلا طهرت قيده صاحب التتمة بما إذا لم يقع فيها نجاسة أخرى فإن وقعت في الخمر نجاسة من عظم ميتة ونحوه فأخرجت منها ثم انقلبت الخمر خلا لم تطهر بلا خلاف ونقله النووي في كتاب المنثورات وعيون المسائل والفتاوي المهمات عن المتولي ساكتا عليه وقال إنه ذكره في باب الاستطابة ونظيره إذا ولغ الكلب في إناء متنجس بالبول فلا يطهر وإن زالت نجاسة البول حتى يعفر لأجل الولوغ وكذلك إذا استنجى بروث فيتعين استعمال الماء ولو دبغ الجلد بالنجاسة حصل الدباغ على الأصح ثم يجب غسله بعد ذلك لا محالة بخلاف المدبوغ بالشيء الطاهر فإن في وجوب غسله خلافا قال فيه عبد الغافر الإمام أحد أئمة أصحاب الشافعي ومدرسيهم حدث عن الأصم وأبي بكر الصبغي وأبي الوليد القرشي وذكر غيرهم ثم قال روى عنه زين الإسلام يعني القشيري وذكر غيره قال وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة بضم الفاء الإمام الكبير أبو القاسم المروزي صاحب الإبانة والعمد وغيرهما من التصانيف من أهل مرو كان إماما حافظا للمذهب من كبار تلامذة أبي بكر القفال وأبي بكر المسعودي سمع الحديث من علي بن عبد الله الطيسفوني وأستاذه أبي بكر القفال روى عنه البغوي صاحب التهذيب وعبد المنعم بن أبي القاسم القشيري وزاهر ابن طاهر وعبد الرحمن بن عمر المروزي وأبو سعد بن أبي صالح المؤذن وغيرهم وكان شيخ أهل مرو وعنه أخذ الفقه صاحب التتمة وغيره وكان كثير النقل والناس يعجبون من كثرة حط إمام الحرمين عليه وقوله في مواضع من النهاية إن الرجل غير موثوق بنقله والذي أقطع به أن الإمام لم يرد تضعيفه في النقل من قبل كذب معاذ الله وإنما الإمام كان رجلا محققا مدققا يغلب بعقله على نقله وكان الفوراني رجلا نقالا فكان الإمام يشير إلى استضعاف تفقهه فعنده أنه ربما أتي من سوء الفهم في بعض المسائل هذا أقصى ما لعل الإمام يقوله وبالجملة ما الكلام في الفوراني بمقبول وإنما هو علم من أعلام هذا المذهب وقد حمل عنه العلم جبال راسيات وأئمة ثقات وقد كان من التفقه أيضا بحيث ذكر في خطبة الإبانة أنه يبين الأصح من الأقوال والوجوه وهو من أقدم المنتدبين لهذا الأمر توفي بمرو في شهر رمضان سنة إحدى وستين وأربعمائة
قال في العمد ما نصه إطالة القراءة في الوقت تستحب وإلى أن خرج الوقت وجهان أحدهما لا والثاني ما لم يضق عليه وقت صلاة أخرى انتهى وهو كالصريح في أن الوجهين في الاستحباب وهو عجيب وقال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يحتمل أن يكون معنى ذلك إذا خرج الوقت ما حكمه وجهان أحدهما لا يجوز والثاني يجوز ما لم يضق عليه وقت صلاة أخرى ويحتمل أن يريد أنه على القول بالجواز يستمر حكم الإطالة من الاستحباب لا أنه مستحب بخصوصه فإن ذلك باطل قطعا لعدم الدليل عليه في إبانة الفوراني ما نصه لو كان المبيع مضبوط الأوصاف بخبر التواتر فعلى وجهين أحدهما هو كالمرئي والثاني كالغائب وفيه قولان قلت الوجه الأول غريب جدا لو اقتدى بحنفي في الصبح فلم يقنت هل على المأموم سجود للسهو قال القاضي الحسين في التعليقة سألني الشيخ أبو القاسم الفوراني عن هذه المسألة فقلت له لا يسجد للسهو والذي يقع لي الآن أنه يلزمه السجود قلت وهما وجهان مبنيان على أن الاعتبار باعتقاد الإمام أو المأموم
قدمنا في ترجمة المسعودي كلام صاحب العدة في الاختلاف في غزو الإبانة إلى الفوراني ثم كلام ابن الصلاح وتنبيهه على أن جميع ما يوجد في كتاب البيان منسوبا إلى المسعودي فهو إلى الفوراني وذكرنا أن ذلك لا يستمر على العموم وبينا نقضه بصور ونزيد الآن أن الذي يقع في النفس وبه يستقيم كلام ابن الصلاح أن بعض ما هو منسوب في البيان إلى المسعودي فالمراد به الفوراني وذلك أن صاحب البيان وقع له كتاب المسعودي حقيقة ووقعت له الإبانة منسوبة إلى المسعودي فصار ينسب إلى المسعودي تارة من الإبانة وتارة من كتابه فليس كل ما ذكر المسعودي يكون هو الفوراني فاعلم ذلك علم اليقين
إذا لم يعرف الفرع المشهود عليه تحمل على الاسم والنسب فإن لم يعرفه بعد ذلك أدى على العين وإن حضر شخص ادعى أنه المشهود له قال القاضي الحسين والفوراني فعليه أن يؤدي الشهادة على الاسم والنسب ثم ينظر فإن أقر الخصم فذاك وإن تناكرا فعلى المدعي إقامة البينة على اسمه ونسبه فإن قامت بينة بذاك حكم له قال ابن الرفعة وفي فتاوي القاضي حسين أنه لو أقر رجل فقال لفلان ابن فلان علي كذا فجاء رجل وقال أنا فلان بن فلان الذي أقر لي بالحق عندكما فاشهدا لي فليس لهما أن يشهدا حتى يعرفا أنه هو المقر له فلو أقام الرجل بينة عند القاضي أنه فلان بن فلان حينئذ يشهدان له به قال ابن الرفعة وهذا مناقض لما تقدم فليكن في المسألة جوابان قلت هذا كلام ابن الرفعة وكأنه فهم أن الفوراني والقاضي أولا يقولان لا تتوقف تأديتهما الشهادة على تحققهما أن هذا المدعي فلان بن فلان المقر له لأنهما لا يشهدان بنسبه وإنما يشهدان بالحق لهذا الاسم فيؤديان الشهادة هكذا وفي هذا إشكال لأن تأدية الشهادة لا تقع في وجه مدع عرف أنه المقر له فلا يكونان قد أديا للمدعي وإنما أديا لمسمى بهذا الاسم الذي يحتمل ألا يكون هو هذا المدعي فمن ثم يقول القاضي لا يؤديان حتى يعرفا أنه فلان بن فلان وجعل من طريق معرفتهما قيام البينة عند الحاكم بذلك فحينئذ يشهدان فمعنى الجوابين هكذا أحدهما أن التأدية تسبق ثبوت كونه فلان بن فلان لأنهما لا تقع على شخصه للمسمى بهذا الاسم فلم يضر كونها سابقة والثاني أن كونها سابقة يوجب كونها لم تقع ضمن دعوى من يتحققان أنه المشهود له فيضر ولا يؤديان حتى يعرفانه ويبقى النظر بعد ذلك في أنهما إذا قامت البينة بأنه فلان بن فلان هل يشهدان أنه المقر له أو إنما يشهدان أنه أقر لفلان بن فلان ولا يذكران أنه هذا لأن قيام البينة بأنه هو لا يوجب لهما العلم بأنه هو هذا محل نظر ظاهر كلام القاضي يدل للأول وقد يخرج ذلك على طريقة من يكتفي بالتسامح في ثبوت النسب من عدلين كما هي طريقة الشيخ أبا حامد لا سيما وقد تأكد ذلك بقيام البينة عند الحاكم والأظهر عندي أن يحمل كلامه على الثاني ويقال إنما أراد أنهما يشهدان للمسمى بهذا الاسم ويكون الضمير في قول القاضي له عائدا على فلان بن فلان لا على هذا الشخص لأنهما لا يعرفانه بهذا النسب فكيف يشهدان لشخصه والمسألة ليس مسوقة للشهادة بالنسب بل للشهادة بالمال ومصورة بما إذا قال فلان بن فلان بن فلان فإنه لا بد من اسم الأب والجد ولذلك تلفظ بهما القاضي في الفتاوي وحذف ابن الرفعة اسم الجد اختصارا لأنه معروف في مكانه وقد رأيت المسألة في فتاوي القاضي وقد قال جامعها البغوي عقبها قلت عندي لا يجوز لهما أن يشهدا بالمال بشهادة الشهود أنه فلان بن فلان حتى يعلماه يقينا ولا يتيقن بقول الشهود فإن عرفا يقينا أنه المقر له ووقع الاختلاف في النسب حينئذ يثبت النسب بقول الشهود انتهى وابن الرفعة حذف كلام البغوي هذا فلم يذكره بالكلية وهو من البغوي دليل على أنه فهم أن المسألة في أنهما يشهدان بالمال لشخصه بعد قيام البينة بأنه هو فلان ابن فلان فالعجب من ابن الرفعة في حذفه كلام البغوي وهو ذكر المسألة في الكفاية وفي المطلب وكأنه في المطلب تلقاها من كلامه في الكفاية ولم يعاود فتاوي القاضي وخرق بفتح الخاء المعجمة والراء وفي آخرها القاف قرية على ثلاثة فراسخ من مرو بها جامع كبير حسن كان فقيها ورعا زاهدا يعرف بمفتي الحرمين من قرية خرق بمرو تفقه على الفوراني بمرو ثم على القاضي الحسين بمروالروذ ثم على أبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي ببخارى ثم بعد ذلك صحب أبا إسحاق الشيرازي ببغداد وحج ورجع إلى قريته منقطعا على العلم والعبادة وقد سمع الحديث من أبي عثمان الصابوني وناصر العمري والأستاذ أبي القاسم القشيري وغيرهم توفي في ربيع الأول سنة خمس وتسعين وأربعمائة أحد الفقهاء المدرسين من أصحاب أبي محمد الجويني مات سنة تسع وخمسين وأربعمائة قال عبد الغافر معروف من أهل العلم ثقة عفيف حسن الوعظ مرضي السيرة سمع بنيسابور والعراق والحجاز وكف في آخر عمره وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وتوفي في شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة روى عن أبي العباس الأصم وأبي منصور محمد بن القاسم الصبغي وأحمد ابن محمد بن عبدوس الطرائفي وجماعة روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو صالح المؤذن وفاطمة بنت الدقاق وجماعة وكان إماما جليلا تفقه على الأستاذ أبي الوليد ومات في صفر سنة ثمان عشرة وأربعمائة قال فيه عبد الغافر الفقيه المتكلم الأشعري المعروف بابن أبي سوره أحد العلماء الثقات الأثبات قال وكتب في صباه اسمه أحمد وفي حال الكبر عبد الرحمن وكلاهما موجود بخطه انتهى وذكر الخطيب أنه قدم بغداد وحدث بها عن ابن نجيد وأبي طاهر حفيد ابن خزيمة وتوفي الذي روى عنه أبو الوقت صحيح البخاري من أهل بوسنج بباء موحدة مضمومة ثم واو ساكنة ثم سين مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم جيم بلدة بنواحي هراة ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة تفقه على أبي بكر القفال وأبي الطيب الصعلوكي وأبي طاهر الزيادي وأبي حامد الإسفرايني وأبي الحسن الطبسي وما أظن شافعيا اجتمع له مثل هؤلاء الشيوخ وسمع عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي وهو آخر الرواة عنه وأبا محمد ابن أبي شريح وأبا عبد الله الحاكم وأبا طاهر الزيادي وأبا عمر بن مهدي وعلي بن عمر التمار وغيرهم ببوشنج وهراة ونيسابور وبغداد روى عنه أبو الوقت ومسافر بن محمد وعائشة بنت عبد الله البوشنجية وأبو المحاسن أسعد بن زياد الماليني وغيرهم وكان فقيها إماما صالحا زاهدا ورعا شاعرا أديبا صوفيا صحب الأستاذ أبا عبد الرحمن السلمي وأبا علي الدقاق وغيرهما قيل أنه كان يحمل ما يأكله وقت تفقهه ببغداد وغيرها من البلاد من بلده بوشنج احتياطا وقد سمع مشايخ عدة وكان يصنف ويفتي ويعظ ويكتب الرسائل الحسنة ويحكى أنه كان لا تسكن شفتاه من ذكر الله عز وجل وأن مزينا جاء ليقص شاربه فقال له أيها الإمام يجب أن تسكن شفتيك فقال قل للزمان حتى يسكن ودخل إليه نظام الملك وتواضع معه غاية التواضع فلم يزده على أن قال أيها الرجل إن الله سلطك على عبيده فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم وذكره الحافظ أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني فقال شيخ عصره وأوحد دهره والإمام المقدم في الفقه والأدب والتفسير وكان زاهدا ورعا حسن السمت بقية المشايخ بخراسان وأعلاهم إسنادا أخذ عنه فقهاء بوشنج ولد في شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وتوفي ببوشنج في شوال سنة سبع وستين وأربعمائة ابن ثلاث وتسعين سنة وكان سماعه للصحيح في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وهو ابن ست سنين هذا كلام الجرجاني وروي أن أبا الحسن عبد الغافر الفارسي كان قد سمع الصحيح من أبي سهل الحفصي وله إجازة من الداودي فكان يقول الإجازة من الداودي أحب إلي من السماع من الحفصي ومن شعره ما أنشده للشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله تعالى سلام أيها الشيخ الإمام ** عليك وقل من مثلي السلام سلام مثل رائحة الخزامى ** إذا ما صابها سحرا غمام سلام مثل رائحة الغوالي ** إذا ما فض من مسك ختام رحلت إليك من بوشنج أرجو ** بك العز الذي لا يستضام ومنه كان في الاجتماع من قبل نور ** فمضى النور وادلهم الظلام فسد الناس والزمان جميعا ** فعلى الناس والزمان السلام ومنه إن شئت عيشا طيبا ** صفوا بلا منازع فاقنع بما أوتيته ** فالعيش عيش القانع بمد الألف وضم الفاء والراء في آخرها نون نسبة إلى قرية بنسف يقال لها آفران يكنى أبا تمام كان أديبا شاعرا فقيها سمع أبا الحسن المحمودي والشيخ أبا زيد الفقيه المروزي وغيرهما مات في شوال سنة أربعمائة المعتزلي المفسر وقيل إنه كان زيدي المذهب في الفروع مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة بقزوين أخذ عن القاضي عبد الجبار المعتزلي وجالس القاضي أبا القاسم بن كج وسمع منهما الحديث ومن غيرهما وحدث عنه جماعات وله تفسير كبير قيل إنه في سبعمائة مجلد كبار وكان قد اجتمع له من الكتب شيء كثير فإنه سكن بغداد ثم سافر إلى الشام ثم إلى مصر وأقام بها مدة ثم عاد إلى بغداد وهو يحصل في ذلك الكتب وقيل إنه حصل غالبها من مصر في عام الغلاء المفرط وكان يقول ملكت ستين تفسيرا منها تفسيرا ابن جرير الطبري في أربعين مجلدا وتفسير أبي القاسم البلخي وأبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأبي مسلم بن بحر وغيرهم وأهدى إلى نظام الملك أربعة أشياء لم يكن لأحد مثلها غريب الحديث لإبراهيم الحربي بخط أبي عمر بن حيوية في عشر مجلدات فوقفه نظام الملك بدار الكتب ببغداد ومنها شعر الكميت بن زيد بخط أبي منصور في ثلاثة عشر مجلدا ومنها عهد القاضي عبد الجبار بخط الصاحب بن عباد وإنشائه قيل كان سبعمائة سطر كل سطر في ورقة سمرقندي وله غلاف آبنوس يطبق كالأسطوانة الغليظة والرابع مصحف بخط بعض الكتاب المجودين بالخط الواضح وقد كتب كاتبه اختلاف القراء بين سطوره بالحمرة وتفسير غريبه بالخضرة وإعرابه بالزرقة وكتب بالذهب العلامات على الآيات التي تصلح للانتزاعات في العهود والمكاتبات وآيات الوعد والوعيد وما يكتب في التعازي والتهاني وبالجملة كتابه مصحف على هذا الوجه بدعة مكروهة وقيل دخل إلى بغداد من مصر ومما معه عشرة جمال عليها كتب بالخطوط المنسوبة في فنون العلم وكانت عنده قوة نفس وربما نال من بعض أهل العلم بلسانه وكان يفتخر بالاعتزال ويتظاهر به حتى على باب نظام الملك فيقول لمن يستأذن عليه قل أبو يوسف القزويني المعتزلي توفي ببغداد في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة صاحب الشامل والكامل وعدة العالم والطريق السالم وكفاية السائل والفتاوي كان إماما مقدما وفارسا لا يدرك السوق وراءه قدما وحبرا يتعالى قدره على السما وبحرا لا ينزف بكثرة الدلا تصبب فقها فكأنه لم يطعم سواه ولم يكن غيره بلغة وتشخص فقها فإذا رآه المحقق قال ابن الصباغ صبغ من الصفر كذا ومن أحسن من الله صبغة انتهت إليه رياسة الأصحاب وكان ورعا نزها تقيا نقيا صالحا زاهدا فقيها أصوليا محققا سمع الحديث من أبي علي بن شاذان ومن أبي الحسين بن الفضل سمع منه جزء ابن عرفة وحدث به ببغداد وأصبهان روى عنه الخطيب في التاريخ وهو أكبر منه سنا وأبو بكر محمد ابن عبد الباقي الأنصاري وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي وابنه أبو القاسم علي بن عبد السيد وآخرون ولد الشيخ أبو نصر سنة أربعمائة وتفقه على القاضي أبي الطيب قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي لم أدرك فيمن رأيت وحاضرت من العلماء على اختلاف مذاهبهم من كملت له شرائط الاجتهاد المطلق إلا ثلاثة أبا يعلى بن الفراء وأبا الفضل الهمذاني الفرضي وأبا نصر بن الصباغ وقال غيره كان ابن الصباغ يضاهي أبا إسحاق الشيرازي وإليهما كانت الرحلة في المتفق والمختلف قلت مضاهاته له في المتفق ظاهرة وأما المختلف فما كان أحد يضاهي أبا إسحاق في عصره فيه والمراد بالمتفق مسائل المذهب وبالمختلف الخلافيات بين الإمامين وقال بعضهم كان ابن الصباغ يحاسب نفسه فمن ذلك أنه قال اعتبرت نفسي في مجيئها من باب المراتب إلى النظامية من غير كلفة ومشقة واعتبرتها في طواف الكعبة سبعا وكلفتها ومشقتها فعلمت أن الطواف حق لسيدي على نفسي وأن سعيي من باب المراتب إلى المدرسة لحظ نفسي فمن ثم زالت عني فيه الكلفة والمشقة قلت باب المراتب مكان ببغداد فيه دار ابن الصباغ وكان ابن الصباغ أول من درس بنظامية بغداد فإن نظام الملك وإن كان إنما بناها لأجل الشيخ أبي إسحاق الشيرازي إلا أن أبا إسحاق امتنع أولا أن يدرس فيها ولما جلس للناس أول يوم للتدريس أرسل إلى الشيخ أبي إسحاق وكرر سؤاله فلم يحضر فأذن للشيخ أبي نصر فدرس يويمات يسيرة ثم وقع التكرار في سؤال الشيخ أبي إسحاق فأجاب ودرس بها بقية حياته فلما توفي أبو إسحاق وليها صاحب التتمة أبو سعد المتولي ثم عزل وأعيد ابن الصباغ ثم صرف ابن الصباغ في سنة سبع وسبعين فحمله أهله على طلبها فخرج إلى أصبهان إلى نظام الملك فلم يجب سؤاله بل أمر أن يبنى له غيرها وعاد من أصبهان فمات بعد ثلاثة أيام توفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة ودفن بداره ثم نقل إلى باب حرب وكان قد كف بصره قبل وفاته بسنين
أخبرنا صالح بن مختار الأشنوي بمصر والعز أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر بالشام سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم ابن نعمة المقدسي قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا في الثالثة أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي سماعا أخبرنا جدي الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الصفار التيمي الأصبهاني قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد ابن الصباغ أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الإيادي عن محمد بن جحادة عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما عن النبي ( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح أمرهم بالكذب فكذبوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالظلم فظلموا قال فقال رجل فقال يا رسول الله أي الإسلام أفضل قال أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك قال فأي الجهاد أفضل قال يهراق دمك ويعقر جوادك قال فأي الهجرة أفضل قال تهجر ما كره ربك ) وأخبرنا أبو نعيم أحمد ويدعى بكارا ابن الحافظ أبي القاسم عبيد بن محمد وتاج الدين عبد الغفار بن محمد السعدي والقطب إبراهيم بن المجاهد إسحاق ابن صاحب الموصل لؤلؤ وعبد المحسن بن أحمد الصابوني ومحمد بن عبد الغني بن محمد الضبعي وعمه أحمد ابن محمد ومحمد بن عبد الوهاب بن مرتضى البهنسي وأحمد بن علي بن محمد بن حسام الكلوتاتي والشرف يعقوب بن عوص المؤذن والمحدث بدر الدين محمد بن أحمد ابن خالد الفارقي قراءة عليهم وأنا أسمع بالقاهرة قالوا كلهم أخبرنا النجيب الحراني سماعا أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أخبرنا علي بن أحمد بن بيان أخبرنا محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزار أخبرنا ابن عرفة فذكره وأخبرناه أيضا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتي عليه غير مرة وبقراءة الشيخ الإمام عليه أيضا وأنا أسمع قال أخبرنا ابن عبد الدائم حضورا في الأولى قال أخبرنا ابن كليب فذكره
قال ابن العربي في القبس في حديث إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم وقعت ببغداد نازلة وهي أن رجلا قال ببغداد وهو صائم امرأتي طالق إن أفطرت على حار أو بارد فرفعت المسألة إلى أبي نصر بن الصباغ إمام الشافعية بالجانب الغربي فقال هو حانث إذ لا بد من الفطر على أحد هذين ورفعت المسألة إلى أبي إسحاق الشيرازي بالمدرسة فقال لا حنث عليه لأنه قد أفطر على غير هذين وهو دخول الليل قال النبي الحديث إلى ( فقد أفطر الصائم ) قلت وقد يقال إن الشيخ أبا إسحاق مسبوق إلى ذلك سبقه به شيخه القاضي أبو الطيب فنص في التعليقة على أن الفطر يحصل بالغروب أكل الصائم أم لم يأكل واحتج بالحديث المذكور وكذلك قال الروياني في البحر في آخر باب الوصال ونقله الرافعي قبيل باب القضاء عن فتاوي الغزالي وكلامهم أجمعين صريح في حصول الفطر بالغروب ومسألة هذين الشيخين في قول القائل إن أفطرت على حار أو بارد ولا فرق لأن هذه العبارة يقصد بها في العرف التعميم ومطلق الفطر وقد يقال عمومها بالنسبة إلى ما يدخل الجوف من المفطرات سواء حارها وباردها وغير ذلك قلت مسألة القاضي أبي الطيب وجماعته بالغروب وإن حصل به الفطر لكن لا يقال أفطر على حار أو بارد بل ذلك فطر شرعي لا يداخل الجوف فالذي يتجه عندي ما قاله الشيخ أبو نصر ومما نقلته من فتاوي ابن الصباغ التي جمعها ابن أخيه القاضي أبو منصور أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد من الغرائب إذا كان له حصة في أرض مشاعة وهي لا تنقسم فجعلها مسجدا لم يصح وقال إن ابن الصباغ ذكرها في كتابه الكامل قلت في ذلك تأييد لابن الرفعة فإنه قال الذي يظهر أنه لا يصح إن قلنا القسمة بيع وكذا إن قلنا إقرار ولم يجوز قسمة الوقف من المطلق قال وإن جوزناه فيشبه أن يأتي في صحته إذا أمكن الإجبار على القسمة احتمال ولكن الشيخ الإمام رحمه الله ضعف هذا وذكر أنه يصح وقفه مسجدا قال وتكون الصلاة فيه أكثر أجرا من موضع كله غير مسجد والقول بالصحة هو ما أفتى به ابن الصلاح إلا أنه قال ثم تجب القسمة والشيخ الإمام خالفه في وجوب القسمة ومن تفاريع الصحة أنه يحرم المكث فيه على الجنب كذا أفتى به ابن الصلاح ووافقه الشيخ الإمام تغليبا للمنع وذكر أن القاضي شرف الدين بن البارزي أفتى بجواز المكث كما يجوز للجنب حمل محل جواز حمل المصحف إذا كان المقصود هو الأمتعة ونظير مسألتنا أن يكون كل منهما مقصودا وفي فتاوي ابن الصباغ يستحب الوضوء لمن قص شاربه وفيها ابن الصباغ ذكر في كتابه الكامل أنه إذا قال بعتك إذا قبلت لا يصح البيع لتعليق الإيجاب قلت وقد يخرج فيه الخلاف في بعتك إن شئت والأصح ثم الصحة وفيها إذا دفع ثوبا إلى خياط فقال إن كان يقطع قميصا فاقطعه فلما قطعه لم يكفه قال الشيخ يعني ابن الصباغ يحتمل أن يضمن ويحتمل ألا يضمن وحكى عن أبي ثور أنه لا يضمن قلت المجزوم به في الرافعي والروضة وغيرهما الضمان في هذه الصورة بخلاف ما إذا قال هل يكفيني قميصا فقال نعم فقال اقطعه فقطعه فلم يكف فإنه لا ضمان لأن الإذن مطلق وفيها إذا قال أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب قال القاضي أبو منصور لم أجدها مسطورة فسألت شيخنا يعني ابن الصباغ فقال يقع في الحال قال القاضي أبو منصور وسمعت من رجل ثقة كان يحضر عند القاضي أبي الطيب أن القاضي قال لا يقع لأنه لا يكون أوقع ذلك على المذاهب كلها قال القاضي أبو منصور ولا بأس بهذا القول لأن الطلاق يصح تعليقه على الشروط الصحيحة والفاسدة ولو قال أنت طالق على مذهب فلان وفلان يعتد بخلافه ينبغي أن يقال يقع في الحال ولا أظن ذلك لأن الرجل لم يوقع طلاقه بل علقه استشكل ابن الصباغ قول الأصحاب إن من نذر صوما لزمه صوم يوم قائلا لا ينبغي أن يكتفى بصوم يوم إذا حملنا النذر على واجب الشرع فإن أقل ما وجب بالشرع ثلاثة أيام والاستشكال معروف به وقد سبقه إليه الماوردي فقال ولو قيل يلزمه صوم ثلاثة أيام كان مذهبا لأنه أقل صوم ورد في الشرع نصا وحكاه عنه الروياني في البحر ساكتا عليه واحترز بقوله نصا عما وجب بسبب من المكلف كصوم يوم في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم من رمضان وحاول ابن الرفعة دفع هذا الإشكال فقال لا نسلم أن أقل صوم وجب بالشرع ثلاثة أيام ابتداء ولئن سلمنا أن ذلك يشمل ما وجب بإيحاب الشرع ابتداء أبو بسبب من المكلف فصوم يوم فقط يجب بالشرع في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم م رمضان ثم حكى كلام الماوردي وقال احترز بقوله نصا عما ذكرناه قلت وعجبت من المعترض والمجيب فإن أقل صوم وجب بالشرع ابتداء نصا صوم يوم فإن رمضان عندنا معاشر الشافعية ثلاثون عبادة وهو أصل بيننا وبين المالكية قال أصحابنا هو ثلاثون عبادة كل منها مستقل بنفسه وخالفهم المالكية فقالوا بل صوم رمضان كله عبادة واحدة وخرج على الخلاف وجوب النية عندنا لكل يوم والاكتفاء عندهم بنية واحدة لجميع الشهر واحتج أصحابنا بأنه لا يجب التتابع في قضائه ومن يقول هذا الأصل فكيف ينكر أن أقل صوم وجب بالشرع ابتداء صوم يوم فعجبت من خفاء هذا على الماوردي وابن الصباغ ثم عجبت من عدم اعتراض ابن الرفعة به قال الأصحاب يشترط في القاسم إذا كان منصوبا من جهة القاضي أن يكون حرا بالغا عاقلا عدلا عالما بالقسمة ولا يشترط في منصوب الشركاء العدالة والحرية فإنه وكيل من جهتهم قال الرافعي كذا أطلقوه وينبغي أن يكون توكيل العبد في القسمة على الخلاف في توكيله في البيع والشراء ولو حكم الشركاء رجلا ليقسم بينهم قال أصحابنا العراقيون هو على القولين في التحكيم إن جوزناه فيكون الذي حكموه كمنصوب القاضي انتهى وفيه كلامان أحدهما قوله ينبغي أن يكون توكيل العبد في القسمة على الخلاف في توكيله في البيع والشراء فيه نظر فإن البيع والشراء تتعلق العهدة فيه بالوكيل ولا كذلك التوكيل فلا يلزم من منع التوكيل فيهما منعه في القسمة وبتقدير استوائهما فكان صواب العبارة أن يقول على الخلاف والتفصيل فإن الخلاف في توكيل العبد في البيع والشراء إنما هو فيما إذا كان بغير إذن السيد أما بإذنه فيجوز جزما فإن كانت القسمة مثلهما فينبغي أن يفصل هكذا والثاني قوله في المحكم إنه على القول بجواز التحكيم كمنصوب القاضي وإن العراقيين ذكروا ذلك مراده بتخصيصهم بالذكر أن غيرهم ساكت عنه لا أن غيرهم مخالف ثم الجزم بأنه كمنصوب القاضي قد يستدرك بقول صاحب البيان ما نصه يجوز أن يكون الذي ينصبه الشريكان عبدا أو فاسقا لأنه وكيل لهما هكذا ذكره أكثر أصحابنا وقال ابن الصباغ إذا نصب الشريكان قاسما فقسم بينهما لم تلزمه قسمته إلا بتراضيهما بقسمته بعد القرعة وجاز أن يكون عبدا أو فاسقا وإن حكما رجلا ليقسم بينهما فقسم فقولان كالقولين في التحكيم فإذا قلنا يلزم وجب أن يكون على الشرائط التي ذكرناها في قسم القاضي وإن قلنا لا تلزم قسمته إلا بتراضيهما بعد القرعة جاز أن يكون عبدا أو فاسقا ففرق بين النصب والتحكيم والطريق الأول أقيس انتهى لفظ البيان وخرج فيه أنه لا يتعين على القول بالتحكيم أن يكون كمنصوب القاضي بل وراءه شيء آخر وهو أن حكم المحكم هل يتوقف على التراضي فيصير منصوب القاضي شرط منه العدالة والحرية جزما ولا كذلك منصوبهما جزما أما محكمها فيشترط فيه ذلك إن قلنا إن حكمه يلزم وإن قلنا يتوقف على الرضا فهو كمنصوبهما غير أن عبارة ابن الصباغ في الشامل لا تقتضي أنه قال ذلك نقلا بل إنما قاله بحثا بعد أن اعترف بأن النقل خلافه وهذا لفظه قال في أول باب القسم من الشامل وإذا حكموا رجلا ليقسم بينهم كان على القولين إذا حكموا رجلا ليحكم بينهم فإن قلنا يصح وجب أن يكون على الشرائط التي ذكرناها في قسم القاضي وإذا قسم وأقرع فهل يلزمهما فيه وجهان وينبغي إذا قلنا لا يلزمهما إلا بتراضيهما ألا يشترط في الابتداء الحرية والعدالة انتهى وخرج منه أن منقول الرافعي صحيح ولم يفته إلا بحث لابن الصباغ وفي هذا البحث تطويل ينبغي اشتراطه وإن قلنا لا يلزم إلا بالتراضي فإنا سنبين توقفنا في عدم اشتراطه وإن كان منصوبا من جهتهم غير محكم فنقول كلام الرافعي أحسن من كلام صاحب البيان من الوجه الذي أبديناه فإن صاحب البيان نقل عن ابن الصباغ ما يوهم أنه قاله نقلا وإنما قاله بحثا وكلام البيان أحسن من كلام الرافعي من جهة أنه بين أن الأكثرين أطلقوا اشتراط العدالة والحرية في القاسم من غير تعرض إلى التفضيل بين منصوب القاضي ومنصوب الشركاء والأمر كذلك فإن الذي نص عليه الشافعي وذكره الجماهير إطلاق القول بأن القاسم شرطه العدالة وممن أطلق ذلك الماوردي وصاحب البحر وغيرهما وقيده ابن الصباغ وصاحب التهذيب بما إذا كان منصوب الحاكم وصرحا فيما إذا كان منصوب الشركاء بجواز كونه عبدا أو فاسقا وأما إذا كان محكما فلم يذكره صاحب التهذيب وذكره ابن الصباغ وقد أريناك كلامه وهو صريح أو كالصريح في أن المنقول فيه اشتراط العدالة والحرية وأن له بحثا أبداه فيه بناء على أن حكم المحكم لا يلزم إلا بالتراضي فجرى الرافعي على منقوله دون بحثه فإنه أعرض عن ذكره إما لضعفه عنده أو لكونه مخرجا على ضعيف أو لغير ذلك واعلم أن تجويز كونه فاسقا أو عبدا إذا كان منصوب الشركاء خلاف ظاهر إطلاقهم ودعوى الرافعي أنهم أطلقوا اشتراط العدالة والحرية في منصوب القاضي وأطلقوا عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء مستدرك فإنهم لم يطلقوا عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء وإنما أطلقوا اشتراطهما في القاسم فقيده ابن الصباغ والبغوي بمنصوب الحاكم فأحد الشقين مسلم للرافعي وأما الشق الثاني وهو دعواه إطلاقهم عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء الذي بنى عليه بحثه المتقدم غير مسلم وقد صرح صاحب البيان بخلافه كما رأيت وهو أنهم أطلقوا اشتراطهما في مطلق القاسم من غير تقييد بمنصوب الحاكم وأن الذي فصل إنما هو ابن الصباغ وأن طريق الإطلاق أقيس فخرج منه أنه يرجح تعميم الإطلاق واشتراط العدالة والحرية في كل قاسم سواء منصوب الشركاء وغيره وإذا كان هذا في منصوبهم وإن لم يكن محكما فما الظن بالمحكم فإن قلت هل لهذا من وجه فإن منصوب الشركاء وكيل وقد يوكل العبد والفاسق قلت القاسم وإن كان منصوب الشركاء فليس هو وكيلا على الحقيقة فإن الوكيل لا يتولى الطرفين وهذا يتولى الطرفين فإنه يقسم لهذا ولهذا فيأخذ من هذا لهذا ما يأخذ في مقابلته من هذا لهذا أو يعين ثم يأخذ الشركاء بعد الإقراع لأن رضاهم لا بد منه بعد القرعة في هذه الصورة فكأن القسمة على كل حال فيها نوع من الولاية التي لا يصلح لها العبيد ولذلك اختلف الأصحاب كما أشار إليه في الوسيط إلى أن منصبه منصب الحاكم أو الشاهد وإن كان لك أن تقول إن هذا إنما هو في منصوب الحاكم لكن يظهر أن يقال إنها لما ذكرناه ولاية وبالجملة ما تجويز كونه فاسقا أو عبدا وإن كان منصوب الشركاء مصرح به في كلام غير ابن الصباغ والبغوي ومن تبعهما حتى يقول الرافعي إن الأصحاب أطلقوا تجويزه بل إنما أطلقوا عدم تجويزه عند إطلاقهم لفظ القاسم ثم اختلف ابن الصباغ والبغوي والعمراني فقال الأولان إن اطلاقهم مقيد بغير منصوب الشركاء وقال الثالث إنه مطلق ولقوله اتجاه ما على الجملة شيخ همذان قال شيرويه كان ثقة صدوقا فقيها عالما له يد في الأدب وكان يعظ الناس ويتكلم في علوم القوم يعني الصوفية وكان ذا شأن وخطر عند الناس الخاص والعام وله مصنفات عزيزة في أنواع العلوم ولم يحمل عنه إلا القليل وعاجله الموت روى عن أبيه أبي سهل والإمام أبي بكر بن لال وغيرهما من الهمذانيين وأبي الفتح بن أبي الفوارس وأبي الحسين محمد بن الحسين القطان الدارقطني وغيرهما من البغداديين والدارقطني هذا غير الدارقطني الإمام المشهور حدث عنه ابن أخته أبو الفضل محمد بن عثمان القومساني وغيره وحكى أنه رأى النبي المنام فكساه ثوبا فسأل معبرا فقال له إن الله تعالى يرزقك العلم وتكون إماما في عصرك فكان كما قال وذهب اسمه في الآفاق توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة أبو محمد المصري من أهل الواح بليدة من بلاد مصر قدم بغداد وتفقه بها وسمع أبا طالب بن غيلان وأبا إسحاق البرمكي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب الطبري وأبا الحسن بن النرسي والقاضي أبا الحسن الماوردي وأبا يعلى بن الفراء وغيرهم وسمع بواسط وهمذان والري وسمنان وبسطام ونيسابور من جماعات وسادات منهم أبو عثمان البحيري وأبو القاسم القشيري وخلق ثم عاد إلى بغداد واستوطنها وحدث بها فروى عنه أبو الفتح بن البطي وخلق قال ابن النجار كان شيخا صالحا دينا حسن الطريقة صبورا فقيرا قال وقرأت في كتاب أبي الفضل كماد بن ناصر بن نصر الحدادي المراغي أنه توفي في الثالث عشر من المحرم سنة ست وثمانين وأربعمائة ودفن في هذا اليوم وصلى عليه الإمام أبو بكر الشاشي قلت ووقع في تاريخ شيخنا الذهبي أنه توفي سنة ثلاث وثمانين والأشبه ما في تاريخ ابن النجار إمام عظيم القدر جليل المحل كثير العلم حبر لا يساجل في الفقه وأصوله والفرائض والحساب وعلم الكلام اشتهر اسمه وبعد صيته وحمل عنه العلم أكثر أهل خراسان سمع أبا عمرو بن نجيد وأبا عمرو محمد بن جعفر بن مطر وأبا بكر الإسماعيلي وأبا أحمد بن عبدي وغيرهم روى عنه البيهقي والقشيري وعبد الغفار بن محمد بن شيرويه وغيرهم وكان يدرس في سبعة عشر فنا وله حشمة وافرة وقال جبريل قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل بديع الترتيب غريب التأليف والتهذيب تراه الجلة صدرا مقدما وتدعوه الأئمة إماما مفخما ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها قلت فارق نيسابور بسبب فتنة وقعت بها من التركمان وقال عبد الغافر الفارسي هو الأستاذ الإمام الكامل ذو الفنون الفقيه الأصولي الأديب الشاعر النحوي الماهر في علم الحساب العارف بالعروض ورد نيسابور مع أبيه أبي عبد الله طاهر وكان ذا مال وثروة ومروءة وأنفقه على أهل العلم والحديث حتى افتقر صنف في العلوم وأربى على أقرانه في الفنون ودرس في سبعة عشر نوعا من العلوم وكان قد درس على الأستاذ أبي إسحاق وأقعده بعده للإملاء مكانه وأملى سنين واختلف إليه الأئمة وقرأوا عليه مثل ناصر المروزي وأبي القاسم القشيري وغيرهما قال وخرج من نيسابور في أيام التركمانية وفتنتهم إلى أسفراين فمات بها وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب الرياض المونقة كان يعني أبا منصور الإسفرايني يسير في الرد على المخالفين سير الآجال في الآمال وكان علامة العالم في الحساب والمقدرات والكلام والفقه والفرائض وأصول الفقه ولو لم يكن له إلا كتاب التكملة في الحساب لكفاه وقال أبو علي الحسن بن نصر المرندي الفقيه وحدثني أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الفقيه قال لما حصل أبو منصور بأسفراين ابتهج الناس بمقدمه إلى الحد الذي لا يوصف فلم يبق بها إلا يسيرا حتى مات واتفق أهل العلم على دفنه إلى جانب الأستاذ أبي إسحاق فقبراهما متجاوران تجاور تلاصق كأنهما نجمان جمعهما مطلع وكوكبان ضمهما برج مرتفع مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة ووقع في تاريخ ابن النجار سنة سبع وعشرين وهو تصحيف من الناسخ أو وهم من المصنف ومن شعره يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف ** ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف أبشر بقول الله في آياته ** إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف قلت في استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره فائدة فإنه قدوة في العلم والدين وبعض أهل العلم ينهى عن مثل ذلك وربما شدد فيه وجنح إلى تحريمه والصواب الجواز ثم الأحسن تركه تأدبا مع الكتاب العزيز ونظيره ضرب الأمثال من القرآن وتنزيله في النكت الأديبة وهذا فن لا تسمع نفس الأديب بتركه واللائق بالتقوى أن يترك وأكثر الناس رأيت تشددا في ذلك المالكية ومع هذا فقد فعله كثير من فقهائهم حتى رأيت في كتاب المدارك في أصحاب مالك للقاضي عياض في ترجمة ابن العطار وهو من قدماء أصحابهم أنه سئل عن مسألة من سجود السهو فأفتى بالسجود فقال السائل إن أصبغ لم ير علي سجودا فقال ومما أنشده ابن السمعاني في التحبير في ترجمة العباس بن محمد المعروف بعباسة لا تعترض فيما قضى ** واشكر لعلك ترتضى اصبر على مر القضا ** إن كنت تعبد من قضى ومنه يا فاتحا لي كل باب مرتج ** إني لعفو منك عني مرتج فامتن علي بما يفيد سعادتي ** فسعادتي طوعا متى تأمر تجي ومن تصانيفه كتاب التفسير وكتاب فضائح المعتزلة وكتاب الفرق بين الفرق وكتاب التحصيل في أصول الفقه وكتاب تفضيل الفقير الصابر على الغنى الشاكر وكتاب فضائح الكرامية وكتاب تأويل متشابه الأخبار وكتاب الملل والنحل مختصر ليس في هذا النوع مثله وكتاب نفي خلق القرآن وكتاب الصفات وكتاب الإيمان وأصوله وكتاب بلوغ المدى عن أصول الهدى وكتاب إبطال القول بالتولد وكتاب العماد في مواريث العباد ليس في الفرائض والحساب له نظير وكتاب التكملة في الحساب وهو الذي أثنى عليه الإمام فخر الدين في كتاب الرياض المونقة وكتاب شرح مفتاح ابن القاص وهو الذي نقل عنه الرافعي في آخر باب الرجعة وغيره وكتاب نقض ما عمله أبو عبد الله الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة وكتاب أحكام الوطء التام وهو المعروف بالتقاء الختانين في أربعة أجزاء قال ابن الصلاح ورأيت له كتابا في معنى لفظتي التصوف والصوفي جمع فيه أقوال الصوفية ألف قول مرتبة على حروف المعجم وجميع تصانيفه بالغة في الحسن أقصى الغايات
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم البزدوي المقيم أبوه بالضيائية قراءة عليه وأنا أسمع بقاسيون أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي سماعا عليه أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن أبي المطهر أخبرنا القاسم بن الفضل الصيدلاني إجازة أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن الحافظ أبي صالح أحمد بن عبد الملك النيسابوري أخبرنا الشيخ أبو الرجاء خلف بن عمر بن عبد العزيز الفارسي ثم النيسابوري أخبرنا الشيخ الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر أخبرنا إبراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا هشيم بن بشير عن سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة ومسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة ) رواه البخاري عن محمد بن سنان وعن سعيد بن النضر ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة ورواه النسائي في الطهارة بتمامه وفي الصلاة ببعضه عن الحسن بن إسماعيل بن سليمان خمستهم عن هشيم بن بشير به أنشدنا الوالد رحمه الله مرة من لفظه للأستاذ أبي منصور ما كتب به إلي أحمد بن أبي طالب من دمشق أن محمد بن محمود بن الحسن الحافظ كتب إليه من مدينة السلام قال أخبرنا أبو بكر محمد بن حامد الضرير المقري بأصبهان أن أبا نصر أحمد بن عمر الغازي أخبره قال أنشدني أبو سعيد مسعود بن ناصر والسجزي قال أنشدنا الأستاذ أبو منصور لنفسه طلبت من الحبيب زكاة حسن ** على صغر من القد البهي فقال وهل على مثل زكاة ** على قول العراقي الكمي فقلت الشافعي لنا إمام ** وقد فرض الزكاة على الصبي ثم ذيل عليها الوالد رحمه الله تعالى ورضي عنه فقال فقال اذهب إذا فاقبض زكاتي ** بقول الشافعي من الولي فقلت له فديتك من فقيه ** أيطلب بالزكاة سوى الملي نصاب الحسن عندك ذو اتساع ** بلحظك والقوام السمهري فإن أعطيتنا طوعا وإلا ** أخذناه بقول الشافعي 7. أخبرنا أحمد بن أبي طالب قال كتب إلي محمج بن محمود قال أنبأنا القاضي أبو الفتح الواسطي قال كتب إلي أبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني قال أنشدنا أسعد بن مسعود بن علي العتبي الكاتب قال أنشدني أبو منصور البغدادي لنفسه يا سائلي عن قصتي ** دعني أمت في غصتي المال في أيدي الورى ** واليأس منه حصتي
قال في شرح المفتاح في التسمية المسنونة في الوضوء إنها بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله غسل الكفين وحكى أن من أصحابنا من قال لا تشترط الطهارة في الصلاة على الجنازة وقال في الإقامة من سنتها الإدراج ولا يبرح من موقفه حتى يقول قد قامت الصلاة قلت وظاهرة أن يتحول حينئذ وظاهر كلام الأصحاب أنه لا يتحول حتى يتممها وقال في كتاب الوطء التام من لف ذكره بحريرة وأولجه في فرج ولم ينزل لا غسل عليه ولا حد على الأصح إن كان في حرام ولا يفسد به شيء من العبادات وعن أبي حامد المروذي إيجاب ذلك انتهى وفي مسألة الغسل وجوه شهيرة أصحها وجوب الغسل وثالثها الفرق بين الخرقة الخشنة والناعمة قال النووي في زيادة الروضة قال صاحب البحر وتجري هذه الأوجه في إفساد الحج به وينبغي أن تجري في جميع الأحكام انتهى قلت وقوله وينبغي أن تجري في جميع الأحكام هو من كلام النووي وليس من كلام صاحب البحر وفيه على عمومه نظر إذ يلزمه أن يحل الإيلاج في خرقة في فرج أجنبية ولا أعتقد أحدا يقول به وإن اختلف في وجوب الحد وإنما ينبغي أن يجري الخلاف في جميع العبادات هل تفسد به وبه صرح الأستاذ أبو منصور كما رأينا ولم يرد النووي إن شاء الله سواه إذا قال المريض أوصيت لزيد بما يخص فلانا أحد وراثي من ثلثى لو لم أوص فهل تصح هذه مسألة مليحة يحتمل أن يقال بالصحة لأن له أن يوصي بكمال الثلث وبعضه موزعا على كل الورثة وإذا كان له أن يوصي بتمامه فله مع كل وارث ثلث ما يرثه فله أن يضعه في واحد معين منهم ويحتمل أن يقال لا يصح بل ليس له إلا أن يوصي بالقدر المطلق له من الثلث فما دونه مقسوما بين ورثته على مقدار مواريثهم وهذه المسألة وقعت في زمان الأستاذ أبي منصور وذكرها القاضي الحسين في فتاويه وبالاحتمال الثاني أفتى أبو منصور وذلك أن واحدا ترك ابنا وبنتا وأوصى بثلث ماله بعد نصيب البنت بحيث لا ينقص عليها شيء وأراد أن يجعل الموصي به ثلث ما يخص الابن وهو أقل من أصل الثلث وأن يحسب على الابن وحده بحيث لا يدخل نقص على البنت فاختلف على الابن فقهاء ذلك الوقت في الفتيا هل يدخل النقص عليهما جميعا أو يخص به الابن كما أوصى به الميت فقال الأستاذ أبو منصور بل يدخل عليهما جميعا وتكون المسألة من تسعة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب النحوي المتكلم على مذهب الأشعري الفقيه على مذهب الشافعي أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي وصار الإمام المشهور المقصود من جميع الجهات مع الدين المتين والورع والسكون قال السلفي كان ورعا قانعا دخل عليه لص وهو في الصلاة فأخذ ما وجد وعبد القاهر ينظر ولم يقطع صلاته قال وسمعت أبا محمد الأبيوردي يقول ما مقلت عيني لغويا وأما في النحو فعبد القاهر ومن مصنفاته كتاب المغني في شرح الإيضاح في نحو من ثلاثين مجلدا وكتاب المقتصد في شرح الإيضاح أيضا ثلاث مجلدات وكتاب إعجاز القرآن الكبير وإعجاز القرآن الصغير والعوامل المائة والمفتاح وشرح الفاتحة والعمدة في التصريف وكتاب الجمل المختصر المشهور وكتاب التلخيص في شرح هذا الجمل ومن شعره كبر على العلم لا ترمه ** ومل إلى الجهل ميل هائم وعش حمارا تعش سعيدا ** فالسعد في طالع البهائم توفي سنة إحدى وسبعين وقيل أربع وسبعين وأربعمائة من قرية شالوس بفتح الشين المعجمة وضم اللام بعد الألف بعدها واو ساكنة ثم سين مهملة وهي من نواحي آمل طبرستان كان من الأئمة في العلم والدين قال ابن السمعاني أبو عبد الله فقيه عصره بآمل ومفتيها ومدرسها وكان واعظا زاهدا وبيته بيت الزهد والعلم سمع الحديث وعمر حتى حدث ثم ورد بغداد وخرج إلى الحجاز وسمع أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء إما بمكة أو بمصر وقال أعني ابن السمعاني في الأنساب غالب ظني أنه سمع منه بمكة قال وقد سمع منه القاضي أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني الحافظ وأثنى عليه وذكر أنه سمع من ابن نظيف بمصر قلت الشالوسي شيخ دوير الكرخي وكلاهما مذكور في فتاوي الحناطي في مسألة وصول القراءة إلى الميت توفي الشالوسي سنة خمس وستين وأربعمائة يعرف بالوزان من أهل طبرستان نزل الري من رؤساء عصره وكبرائهم فضلا وحشمة وجاها ونعمة قال عبد الغافر وكان له القدم الراسخ في المناظرة وإفحام الخصوم والكرم الباذخ الراقي إلى مناط النجوم وذكر ابن السمعاني أنه تفقه بمرو على الإمام أبي بكر القفال المروزي وبرع في الفقه وقال القاضي أبو محمد عبد الله بن يوسف الحافظ إنه ولي قضاء ساوة ثم قضاء همذان سمع القفال المروزي والأستاذ أبا إسحاق الإسفرايني وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيري والأستاذ أبا منصور البغدادي وغيرهم روى عنه زاهر بن طاهر وغيره قال عبد الغافر توفي سنة تسع وستين وأربعمائة وقال عبد الله بن يوسف الجرجاني سنة ثمان وستين والله أعلم
|