الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: (قام النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي المغرب فجئت فقمت عن يساره فنهاني فجعلني عن يمينه ثم جاء صاحب لي فصفنا خلفه فصلى بنا في ثوب واحد مخالفًا بين طرفيه). رواه أحمد. وفي رواية: (قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليصلي فجئت فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه) رواه مسلم وأبو داود. 2 - وعن سمرة بن جندب قال: (أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا). رواه الترمذي. حديث جابر هو في صحيح مسلم وسنن أبي داود مطولًا وهذا الذي ذكر المصنف بعض منه. وحديث سمرة بن جندب غربه الترمذي. وقال ابن عساكر في الأطراف: إنه قال فيه حسن غريب. وذكر ابن العربي أنه ضعفه وليس فيما وقفنا عليه من نسخ الترمذي إلا أنه قال: إنه حديث غريب ولعل المراد بقول ابن العربي أنه ضعفه أي أشار إلى تضعيفه بقوله وقد تكلم الناس في إسماعيل بن مسلم من قبل حفظه بعد أن ساق الحديث من طريقه وإسماعيل بن مسلم هذا هو المكي وأصله بصري سكن مكة فنسب إليها لكثرة مجاورته بها وكان فقيهًا مفتيًا. قال البخاري: تركه ابن المبارك وربما روى عنه. وقال يحيى بن سعيد: لم يزل مختلطًا. وقال أحمد بن حنبل: ضعيف الحديث وقال السعدي: هو واه جدًا. وقال عمرو بن علي كان ضعيفًا في الحديث يهم فيه وكان صدوقًا كثير الغلط يحدث عنه من لا ينظر في الرجال. وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة إلا أنه ممن يكتب حديثه. قوله: (فجعلني عن يمينه) فيه أن موقف الواحد عن يمين الإمام وقد ذهب الأكثر إلى أن ذلك واجب وروي عن ابن المسيب أن ذلك مندوب فقط. وروي عن النخعي أن الواحد يقف خلف الإمام بيانًا للتبعية فإذا ركع الإمام قبل مجيء ثالث اتصل بيمينه وفيه جواز العمل في الصلاة وقد تقدم الكلام على ذلك. قوله: (فصفنا خلفه) وكذلك قوله: (فدفعنا حتى أقامنا خلفه) وقوله: (أمرنا صلى اللَّه عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا) في هذه الروايات دليل على أن موقف الرجلين مع الإمام في الصلاة خلفه وبه قال علي بن أبي طالب عليه السلام وعمر وابنه جابر بن زيد والحسن وعطاء وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماعة من فقهاء الكوفة. قال ابن سيد الناس: وليس ذلك شرطًا عند أحد منهم ولكن الخلاف في الأولى والأحسن وإلى كون موقف الاثنين خلف الإمام ذهبت العترة. وروي عن ابن مسعود أن الاثنين يقفان عن يمين الإمام وعن شماله والزائد خلفه واستدل بما سيأتي وسيأتي الكلام على دليله. قوله: (فصلى بنا في ثوب واحد) فيه جواز الصلاة في الثوب الواحد وقد تقدم الكلام على ذلك. قوله: (ثم جاء جبار بن صخر) هو الأنصاري السلمي شهد العقبة وبدرًا وما بعدهما. 3 - وعن ابن عباس قال: (صليت إلى جنب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعائشة معنا تصلي خلفنا وأنا إلى جنب النبي صلى اللَّه عليه وسلم أصلي معه). رواه أحمد والنسائي. 4 - وعن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى به وبأمه أو خالته قال: فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا). رواه أحمد ومسلم وأبو داود. حديث ابن عباس إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم يعني ابن مقسم وقد وثقه النسائي قال: حدثنا حجاج يعني ابن محمد مولى سليمان خرَّج حديثه الجماعة قال: قال ابن جريج: أخبرني زياد أن قزعة مولى لعبد القيس أخبره أنه سمع عكرمة قال: قال ابن عباس فذكره. وزياد هو ابن سعد الخراساني أخرج له الجماعة وقزعة وثقه أبو زرعة فرجال هذا الإسناد ثقات. قوله: (صلى به وبأمه أو خالته) وفي بعض الروايات: (أن جدته مليكة دعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم) ثم ذكر الصلاة وسيأتي. والحديثان يدلان على أنه إذا حضر مع إمام الجماعة رجل وامرأة كان موقف الرجل عن يمينه وموقف المرأة خلفهما وأنها لا تصف مع الرجال والعلة في ذلك ما يخشى من الافتتان فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور وعند الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة. قال في الفتح: وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم: قال ابن مسعود أخروهن من حيث أخرهن اللَّه والأمر للوجوب فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها قال: وحكاية هذا تغني عن جوابه. وذهبت الهادوية إلى فساد صلاتها إذا صفت مع الرجال وفساد صلاة من خلفها وفساد صلاة من في صفها إن علموا بكونها في صفهم. ومن الأدلة الدالة على أن المرأة تقف وحدها حديث أنس المتفق عليه بلفظ: (صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأمي وأم سليم خلفنا) وفي لفظ: (فصففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا). وأخرج ابن عبد البر عن عائشة مرفوعًا بلفظ: (المرأة وحدها صف). قال ابن عبد البر: هو موضوع وضعه إسماعيل بن يحيى بن عبيد اللَّه التيمي عن المسعودي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قال: وهذا لا يعرف إلا بإسماعيل. 5 - وعن الأسود بن يزيد قال: (دخلت أنا وعمي علقمة على ابن مسعود بالهاجرة قال: فأقام الظهر ليصلي فقمنا خلفه فأخذ بيدي ويد عمي ثم جعل أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره فصفنا صفًا واحدًا قال: ثم قال هكذا كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة). رواه أحمد. ولأبي داود والنسائي معناه. الحديث في إسناده هارون بن عنترة وقد تكلم فيه بعضهم. قال أبو عمر: هذا الحديث لا يصح رفعه والصحيح فيه عندهم أنه موقوف على ابن مسعود انتهى. وقد أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي موقوفًا على ابن مسعود وقد ذكر جماعة من أهل العلم منهم الشافعي أن حديث ابن مسعود هذا منسوخ لأنه إنما تعلم هذه الصلاة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو بمكة وفيها التطبيق وأحكام أخر هي الآن متروكة وهذا الحكم من جملتها فلما قدم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم المدينة تركه وعلى فرض عدم علم التاريخ لا ينتهض هذا الحديث لمعارضة الأحاديث المتقدمة في أول الباب وقد وافق ابن مسعود على وقوف الاثنين عن يمين الإمام ويساره أبو حنيفة وبعض الكوفيين. ومن أدلتهم ما رواه أبو داود عن أبي هريرة عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: (وسطوا الإمام وسدوا الخلل) وسيأتي وهو محتمل أن يكون المراد اجعلوه مقابلًا لوسط الصف الذي تصفون خلفه ومحتمل أن يكون من قولهم فلان واسطة قومه أي خيارهم ومحتمل أن يكون المراد اجعلوه وسط الصف فيما بينكم غير متقدم ولا متأخر ومع الاحتمال لا ينتهض للاستدلال. وأيضًا هو مهجور الظاهر بالإجماع لأن ابن مسعود ومن معه إنما قالوا بتوسط الإمام في الثلاثة لا فيما زاد عليهم فيقفون خلفه. وظاهر الحديث عدم الفرق بين الثلاثة وأكثر منهم.
1 - عن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وسطوا الإمام وسدوا الخلل). رواه أبو داود. 2 - وعن أبي مسعود الأنصاري قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. 3 - وعن ابن مسعود: (عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وإياكم وهيشات الأسواق). رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي. 4 - وعن أنس قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه). رواه أحمد وابن ماجه. حديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من طريق جعفر بن مسافر شيخ أبي داود قال النسائي: صالح وفي إسناده يحيى بن بشير بن خلاد عن أمه واسمها أمة الواحد. ويحيى مستور وأمه مجهولة. وحديث أبي مسعود أخرجه أيضًا أبو داود. وحديث ابن مسعود قال الترمذي: حسن غريب وقال الدارقطني: تفرد به خالد بن مهران الحذاء عن أبي معشر زياد بن كليب. وقال ابن سيد الناس: إنه صحيح لثقة رواته وكثرة الشواهد له قال: ولذلك حكم مسلم بصحته. وأما غرابته فليست تنافي الصحة في بعض الأحيان. وأما حديث أنس فأخرجه أيضًا الترمذي ولم يذكر له إسنادًا والنسائي ورجال إسناده عند ابن ماجه رجال الصحيح. ـ وفي الباب ـ عن أُبيِّ بن كعب عند أحمد من حديث قيس بن عباد قال: (قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد صلى اللَّه عليه وسلم وما كان بينهم رجل ألقاه أحب إلي من أُبيِّ بن كعب فأقيمت الصلاة فخرج عمر مع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني وقام مكاني فما عقلت صلاتي فلما صلى قال: يا بني لا يسؤوك اللَّه إني لم آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لنا: كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك ثم حدث فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجهًا إليه قال: فسمعته يقول هلك أهل العقدة ورب الكعبة ألا لا عليهم آسى ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين وإذا هو أُبيِّ يعني ابن كعب). هذا لفظ أحمد وقد أخرج الحديث أيضًا النسائي وابن خزيمة في صحيحه ومتحت بفتح الميم وتاءين مثناتين بينهما حاء مهملة أي مدت. وأهل العقدة بضم العين المهملة وسكون القاف يريد البيعة المعقودة للولاية. وعن سمرة عند الطبراني في الكبير: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة) وهو من رواية الحسن عن سمرة. وعن البراء أشار إليه الترمذي. وعن ابن عباس عند الدارقطني قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: لا يتقدم في الصف الأول أعرابي ولا عجمي ولا غلام لم يحتلم) وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. قوله: (وسطوا الإمام) فيه مشروعية جعل الإمام مقابلًا لوسط الصف وهو أحد الاحتمالات التي يحتملها الحديث وقد تقدمت. قوله: (وسدوا الخلل) قال المنذري: هو بفتح الخاء المعجمة واللام وهو ما بين الاثنين من الاتساع وسيأتي ذكر ما هي الحكمة في ذلك في باب الحث على تسوية الصفوف. قوله: (فتختلف قلوبكم) لأن مخالفة الصفوف مخالفة الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. قوله: (ليليني) قال النووي: هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد واللام في أوله لام الأمر المكسورة أي ليقرب مني. قوله: (أولو الأحلام والنهى) قال ابن سيد الناس: الأحلام والنهى بمعنى واحد والنهى بضم النون جمع نهية بالضم أيضًا وهي العقول لأنها تنهى عن القبح. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النهى مصدرًا كالهدي وأن يكون جمعًا كالظلم. وقيل المراد بأولي الأحلام البالغون وبأولي النهى العقلاء فعلى الأول يكون العطف فيه من باب. فألفى قولها كذبًا ومينًا. وهو أن ينزل تغاير اللفظ منزلة تغاير المعنى وهو كثير في الكلام وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا رأى صبيًا في الصف أخرجه. وعن زر بن حبيش وأبي وائل مثل ذلك وإنما خص النبي صلى اللَّه عليه وسلم هذا النوع بالتقديم لأنه الذي يتأتى منه التبليغ ويستخلف إذا احتيج إلى استخلافه ويقوم بتنبيه الإمام إذا احتيج إليه. قوله: (وإياكم وهيشات الأسواق) بفتح الهاء وإسكان الياء المثناة من تحت وبالشين المعجمة أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. والهوشة الفتنة والاختلاط. والمراد النهي عن أن يكون اجتماع الناس في الصلاة مثل اجتماعهم في الأسواق متدافعين متغايرين مختلفي القلوب والأفعال. قوله: (يحب أن يليه المهاجرون والأنصار) فيه وفي حديث أُبيِّ بن كعب وسمرة مشروعية تقدم أهل العلم والفضل ليأخذوا عن الإمام ويأخذ عنهم غيرهم لأنهم أمس بضبط صفة الصلاة وحفظها ونقلها وتبليغها .
1 - عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري: (عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن لكي يثوب الناس ويجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان). رواه أحمد. ولأبي داود عنه قال: (ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: فأقام الصلاة وصف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم فذكر صلاته). 2 - وعن أنس: (أن جدته مليكة دعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لطعام صنعته فأكل ثم قال: قوموا فلأصلي لكم فقمت إلى حصير لنا قد سود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقمت أنا واليتيم وراءه وقامت العجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف). رواه الجماعة إلا ابن ماجه. 3 - وعن أنس قال: (صليت أنا واليتيم في بيتنا خلف النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأمي خلفنا أم سليم). رواه البخاري. 4 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها). رواه الجماعة إلا البخاري. حديث أبي مالك سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده شهر بن حوشب وفيه مقال. قوله: (يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام) قد قدمنا في أبواب القراءة الكلام في ذلك مبسوطًا. قوله: (لكي يثوب) أي يرجع الناس إلى الصلاة ويقبلوا إليها. قوله: (ويجعل الرجال قدام الغلمان) الخ فيه تقديم صفوف الرجال على الغلمان والغلمان على النساء هذا إذا كان الغلمان اثنين فصاعدًا فإن كان صبي واحد دخل مع الرجال ولا ينفرد خلف الصف قاله السبكي ويدل على ذلك حديث أنس المذكور في الباب فإن اليتيم لم يقف منفردًا بل صف مع أنس. وقال أحمد بن حنبل: يكره أن يقوم الصبي مع الناس في المسجد خلف الإمام إلا من قد احتلم وأنبت وبلغ خمس عشرة سنة وقد تقدم عن عمر أنه كان إذا رأى صبيًا في الصف أخرجه. وكذلك عن أبي وائل وزر بن حبيش. وقيل عند اجتماع الرجال والصبيان يقف بين كل رجلين صبي ليتعلموا منهم الصلاة وأفعالها. قوله: (أن جدته مليكة) قال ابن عبد البر: إن الضمير عائد إلى إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة الراوي للحديث عن أنس فهي جدة إسحاق لا جدة أنس وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري وهي أم أنس بن مالك. وقال غيره: الضمير يعود على أنس بن مالك وهي جدته أم أمه واسمها مليكة بنت مالك ويؤيد ما قاله ابن عبد البر ما أخرجه النسائي عن إسحاق المذكور أن أم سليم: (سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يأتيها) ويؤيده أيضًا قوله في الرواية المذكورة في الباب: (وأمي خلفنا أم سليم) وقيل إنها جدة إسحاق أم أبيه وجدة أنس أم أمه. قال ابن رسلان: وعلى هذا فلا اختلاف. قوله: (فلأصلي لكم) روي بكسر اللام وفتح الياء من أصلي على أنها لام كي والفاء زائدة كما في زيد فمنطلق وروي بكسر اللام وحذف الياء للجزم لكن أكثر ما يجزم بلام الأمر الفعل المبني للفاعل إذا كان للغائب ظاهر نحو: (لينفق ذو سعة من سعته) أو ضمير نحو مره فليراجعها وأقل منه أن يكون مسندًا إلى ضمير المتكلم نحو ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي قلابة قال: (جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: إني لأصلي لكم وما أريد الصلاة) وبوب له البخاري باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم. قوله: (فنضحته) بالضاد المفتوحة والحاء المهملة وهو الرش كما قال الجوهري. وقيل هو الغسل. قوله: (وقمت أنا واليتيم وراءه) هو ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو جد حسين بن عبد اللَّه بن ضميرة. وفيه أن الصبي يسد الجناح وإليه ذهب الجمهور من أهل البيت وغيرهم. وذهب أبو طالب والمؤيد باللَّه في أحد قوليه إلى أنه لا يسد إذ ليس بمصل حقيقة. وأجاب المهدي عن الحديث في البحر بأنه يحتمل بلوغ اليتيم فاستصحب الاسم. وفيه أن الظاهر من اليتم الصغر فلا يصار إلى خلافه إلا بدليل. ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور جذبه صلى اللَّه عليه وسلم لابن عباس من جهة اليسار إلى جهة اليمين وصلاته معه وهو صبي. وأما ما تقدم من جعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم للغلمان صفًا بعد الرجال ففعل لا يدل على فساد خلافه. قوله: (خير صفوف الرجال أولها) فيه التصريح بأفضلية الصف الأول للرجال وأنه خيرها لما فيه من إحراز الفضيلة وقد ورد في الترغيب فيه أحاديث كثيرة سيأتي ذكر بعضها. قوله: (وشرها آخرها) إنما كان شرها لما فيه من ترك الفضيلة الحاصلة بالتقدم إلى الصف الأول. قوله: (وخير صفوف النساء آخرها) إنما كان خيرها لما في الوقوف فيه من البعد عن مخالطة الرجال بخلاف الوقوف في الصف الأول من صفوفهن فإنه مظنة المخالطة لهم وتعلق القلب بهم المتسبب عن رؤيتهم وسماع كلامهم ولهذا كان شرها. وفيه أن صلاة النساء صفوفًا جائزة من غير فرق بين كونهن مع الرجال أو منفردات وحدهن.
1 - عن علي بن شيبان: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف). رواه أحمد وابن ماجه. 2 - وعن وابصة بن معبد: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد صلاته). رواه الخمسة إلا النسائي. وفي رواية قال: (سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن رجل صلى خلف الصفوف وحده فقال: يعيد الصلاة) رواه أحمد. 3 - وعن أبي بكرة: (أنه انتهى إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال: زادك اللَّه حرصًا ولا تعد). رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي. 4 - وعن ابن عباس قال: (أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم من آخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه). رواه أحمد. حديث علي بن شيبان روى الأثرم عن أحمد أنه قال: حديث حسن. قال ابن سيد الناس: رواته ثقات معروفون وهو من رواية عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه وعبد الرحمن قال فيه ابن حزم: وما نعلم أحدًا عابه بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الرحمن بن بدر وهذا ليس جرحة انتهى. وقد روى عنه أيضًا ابنه محمد ووعلة بن عبد الرحمن ابن رئاب ووثقه ابن حبان. وروى له أبو داود وابن ماجه. ويشهد لحديث علي ابن شيبان ما أخرجه ابن حبان عن طلق مرفوعًا: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) وحديث واصبة بن معبد أخرجه أيضًا الدارقطني وابن حبان وحسنه الترمذي وقال ابن عبد البر: إنه مضطرب الإسناد ولا يثبته جماعة من أهل الحديث. وقال ابن سيد الناس: ليس الاضطراب الذي وقع فيه مما يضره وبين ذلك في شرح الترمذي له وأطال وأطاب. وحديث أبي بكرة أخرجه أيضًا ابن حبان. وحديث ابن عباس هو إحدى الروايات التي وردت في صفة دخوله مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في صلاة الليل في الليلة التي بات فيها عند خالته ميمونة. والذي في الصحيحين وغيرهما: (أنه قام عن يساره فجعله عن يمينه). ـ وقد اختلف السلف ـ في صلاة المأموم خلف الصف وحده فقالت طائفة: لا يجوز ولا يصح. وممن قال بذلك النخعي والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق وحماد وابن أبي ليلى ووكيع وأجاز ذلك الحسن البصري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وفوق آخرون في ذلك فرأوا على الرجل الإعادة دون المرأة وتمسك القائلون بعدم الصحة بحديث علي بن شيبان ووابصة بن معبد المذكورين وتمسك القائلون بالصحة بحديث أبي بكرة قالوا: لأنه أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالإعادة فيحمل الأمر بالإعادة على جهة الندب مبالغة في المحافظة على الأولى. (ومن جملة) ما تمسكوا به حديث ابن عباس وجابر إذ جاء كل واحد منهما فوقف عن يسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مؤتمًا به وحده فأدار كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه قالوا: فقد صار كل واحد منهما خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك الإدارة وهو تمسك غير مفيد للمطلوب لأن المدار من اليسار إلى اليمين لا يسمى مصليًا خلف الصف وإنما هو مصل عن اليمين. ـ ومن متمسكاتهم ـ ما روي عن الشافعي أنه كان يضعف حديث وابصة ويقول لو ثبت لقلت به ويجاب عنه بأن البيهقي وهو من أصحابه قد أجاب عنه فقال: الخبر المذكور ثابت. قيل الأولى الجمع بين أحاديث الباب بحمل عدم الأمر بالإعادة على من فعل ذلك لعذر مع خشية الفوت لو انضم إلى الصف وأحاديث الإعادة على من فعل ذلك لغير عذر. وقيل من لم يعلم ما في ابتداء الركوع على تلك الحال من النهي فلا إعادة عليه كما في حديث أبي بكرة لأن النهي عن ذلك لم يكن تقدم ومن علم بالنهي وفعل بعض الصلاة أو كلها خلف الصف لزمته الإعادة. قال ابن سيد الناس: ولا يعد حكم الشروع في الركوع خلف الصف حكم الصلاة كلها خلفه فهذا أحمد بن حنبل يرى أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة ويرى أن الركوع دون الصف جائز. قال: وقد اختلف السلف في الركوع دون الصف فرخص فيه زيد بن ثابت وفعل ذلك ابن مسعود وزيد بن وهب وروي عن سعيد بن جبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة وابن جريج ومعمر أنهم فعلوا ذلك. وقال الزهري: إن كان قريبًا من الصف فعل وإن كان بعيدًا لم يفعل وبه قال الأوزاعي انتهى. قال الحافظ في التلخيص: اختلف في معنى قوله (ولا تعد) فقيل نهاه عن العود إلى الإحرام خارج الصف وأنكر هذا ابن حبان وقال: أراد لا تعد في إبطاء المجيء إلى الصلاة. وقال ابن القطان الفاسي تبعًا للمهلب بن أبي صفرة: معناه لا تعد إلى دخولك في الصف وأنت راكع فإنها كمشية البهائم ويؤيده رواية حماد بن سلمة في مصنفه عن الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه: (دخل المسجد ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي وقد ركع فركع ثم دخل الصف وهو راكع فلما انصرف النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: أيكم دخل في الصف وهو راكع فقال له أبو بكرة: أنا فقال: زادك اللَّه حرصًا ولا تعد). وقال غيره: بل معناه لا تعد إلى إتيان الصلاة مسرعًا واحتج بما رواه ابن السكن في صحيحه بلفظ: (أقيمت الصلاة فانطلقت أسعى حتى دخلت في الصف فلما قضى الصلاة قال: من الساعي آنفًا قال أبو بكرة: فقلت أنا فقال: زادك اللَّه حرصًا ولا تعد) قال في التلخيص: أيضًا أنه روى الطبراني في الأوسط من حديث ابن الزبير ما يعارض هذا الحديث فأخرج من حديث ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء سمع ابن الزبير على المنبر يقول: (إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعًا حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة) قال عطاء: وقد رأيته يصنع ذلك وقال: تفرد به ابن وهب ولم يروه عنه غير حرملة ولا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد انتهى. وقد اختلف فيمن لم يجد فرجة ولا سعة في الصف ما الذي يفعل فحكى عن نصه في البويطي أنه يقف منفردًا ولا يجذب إلى نفسه أحدًا لأنه لو جذب إلى نفسه واحدًا لفوت عليه فضيلة الصف الأول ولأوقع الخلل في الصف وبهذا قال أبو الطيب الطبري وحكاه عن مالك. وقال أكثر أصحاب الشافعي وبه قالت الهادوية أنه يجذب إلى نفسه واحدًا ويستحب للمجذوب أن يساعده ولا فرق بين الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في ابتدائها في ذلك وقد روي عن عطاء وإبراهيم النخعي أن الداخل إلى الصلاة والصفوف قد استوت واتصلت يجوز له أن يجذب إلى نفسه واحدًا ليقوم معه واستقبح ذلك أحمد وإسحاق وكرهه الأوزاعي ومالك. وقال بعضهم جذب الرجل في الصف ظلم. واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث وابصة: (أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلًا من الصف أعد صلاتك) وفيه السري ابن إسماعيل وهو متروك وله طريق أخرى في تاريخ أصبهان لأبي نعيم وفيها قيس ابن الربيع وفيه ضعف. ولأبي داود في المراسيل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعًا: (إن جاء رجل فلم يجد أحدًا فليختلج إليه رجلًا من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج). وأخرج الطبراني عن ابن عباس بإسناد قال الحافظ: واه بلفظ: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر الآتي وقد تمت الصفوف أن يجتذب إليه رجلًا يقيمه إلى جنبه).
1 - عن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة). 2 - وعن أنس قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقبل علينا وجهه قبل أن يكبر فيقول: تراصوا واعتدلوا). متفق عليهما. 3 - وعن النعمان بن بشير قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوي به القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يومًا فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلًا باديًا صدره من الصف فقال: عباد اللَّه لتسون صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم). رواه الجماعة إلا البخاري فإن له منه: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم) ولأحمد وأبي داود في رواية قال: (فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبته ومنكبه بمنكبه). وفي الباب غير ما ذكره المصنف عند أحمد وأبي داود والنسائي قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) الحديث. وعن أبي هريرة عند مسلم. وعن جابر بن عبد اللَّه عند عبد الرزاق. وعن ابن عمر عند أحمد وأبي داود. قوله: (سووا صفوفكم) فيه أن تسوية الصفوف واجبة). قوله: (فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) في لفظ البخاري: (من إقامة الصلاة) والمراد بالصف الجنس. وفي رواية: (فإن تسوية الصفوف) وقد استدل ابن حزم بذلك على وجوب التسوية قال: لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شيء من الواجب واجب ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب وروي عن عمر وبلال ما يدل على الوجوب عندهما لأنهما كانا يضربان الأقدام على ذلك. قال في الفتح: ولا يخفى ما فيه لا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة يعني أنه رواها بعضهم بلفظ: (من تمام الصلاة) كما تقدم. واستدل ابن بطال بما في البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: (فإن إقامة الصف من حسن الصلاة) على أن التسوية سنة قال: لأن حسن الشيء زيادة على تمامه وأورد عليه رواية: (من تمام الصلاة) وأجاب ابن دقيق العيد فقال: قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة الاستحباب لأن تمام الشيء في العرف أمر خارج عن حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق حسب الوضع على ما لا تتم الحقيقة إلا به. ورد بأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي وإنما يحمل على العرف إذا أثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث. قوله: (تراصوا) بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل. وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة. قوله: (لتسون) بضم التاء المثناة من فوق وفتح السين وضم الواو وتشديد النون قال البيضاوي: هذه اللام التي يتلقى بها القسم والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة. قوله: (أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم) أي إن لم تسووا والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد ويراد بها أيضًا سد الخلل الذي في الصف. واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد تشويه الوجه بتحويل خلقه عن موضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك فهو نظير ما تقدم فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل اللَّه رأسه رأس حمار. وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة. قال في الفتح: وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام ويؤيد الوجوب حديث أبي أمامة بلفظ: (لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه) أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف. ومنهم من حمل الوعيد المذكور على المجاز قال النووي: معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما تقول تغير وجه فلان أي ظهر لي من وجهه كراهة لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن ويؤيده رواية أبي داود بلفظ: (أو ليخالفن اللَّه بين قلوبكم) وقال القرطبي: معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهًا غير الذي يأخذه صاحبه لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة. ـ والحاصل ـ أن المراد بالوجه إن حمل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء وإن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد أشار إلى ذلك الكرماني ويحتمل أن يراد المخالفة في الجزاء فيجازي المسوي بخير ومن لا يسوي بشر. قوله: (كأنما يسوي بها القداح) هي جمع قدح بكسر القاف وإسكان الدال المهملة وهو السهم قبل أن يراش ويركب فيه النصل. قوله: (يلزق) بضم أوله يتعدى بالهمزة والتضعيف يقال ألزقته ولزقته. قوله: (منكبه) المنكب مجتمع العضد والكتف. 4 - وعن أبي أمامة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف يعني أولاد الضأن الصغار). رواه أحمد. الحديث قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد بإسناد لا بأس به والطبراني وأخرج نحوه أبو داود والنسائي من حديث ابن عمر وأخرجا نحوه أيضًا من حديث أنس. قوله: (وحاذوا بين مناكبكم) بالحاء المهملة والذال المعجمة أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازيًا لمنكب الآخر ومسامتًا له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد. قوله: (ولينوا في أيدي إخوانكم) لفظ أبي داود عن ابن عمر: (ولينوا بأيدي إخوانكم) أي إذا جاء المصلي ووضع يده على منكب المصلي فليكن له بمنكبه وكذا إذا أمره من يسوي الصفوف بالإشارة بيده أن يستوي في الصف أو وضع يده على منكبه فليستو. وكذا إذا أراد أن يدخل في الصف فليوسع له. قال في المفاتيح شرح المصابيح: وهذا أولى وأليق من قول الخطابي إن معنى لين المنكب السكون والخشوع. قوله: (وسدوا الخلل) هو بفتحتين الفرجة بين الصفين كما تقدم. قوله: (الحذف) قال النووي: بحاء مهملة وذال معجمة مفتوحتين ثم فاء واحدتها حذفه مثل قصب وقصبة وهي غنم سود صغار تكون باليمن والحجاز. 5 - وعن جابر بن سمرة قال: (خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا: يا رسول اللَّه كيف تصف الملائكة عند ربها قال: يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف). رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي. 6 - وعن أنس: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 7 - وعن عائشة قالت: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إن اللَّه وملائكته يصلون على الذين يصلون على ميامن الصفوف). رواه أبو داود وابن ماجه. 8 - وعن أبي سعيد الخدري: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى في أصحابه تأخرًا فقال لهم: تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من ورائكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللَّه عز وجل). رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه. حديث أنس هو عند أبي داود من طريق محمد بن سليمان الأنباري وهو صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح. وحديث عائشة رجاله رجال الصحيح على ما في معاوية ابن هشام من المقال. قوله: (ألا تصفون) بفتح التاء المثناة من فوق وضم الصاد وبضم أوله مبني للمفعول والمراد الصف في الصلاة. قوله: (كما تصف الملائكة) فيه الإقتداء بأفعال الملائكة في صلاتهم وتعبداتهم. قوله: (عند ربها) كذا لفظ ابن حبان ولفظ أبي داود والنسائي: (عند ربهم). قوله: (فقلنا) لفظ أبي داود وابن حبان: (قلنا) ولفظ النسائي: (قالوا). قوله: (يتمون الصف الأول) لفظ أبي داود (يتمون الصفوف المتقدمة) وفيه فضيلة إتمام الصف الأول. قوله: (ويتراصون) تقدم تفسيره. قوله: (أتموا الصف الأول) فيه مشروعية إتمام الصف الأول وقد اختلف في الصف الأول في المسجد الذي فيه منبر هل هو الخارج بين يدي المنبر أو الذي هو أقرب إلى القبلة فقال الغزالي في الإحياء: إن الصف الأول هو المتصل الذي في فناء المنبر وما عن طرفيه مقطوع قال: وكان سفيان يقول الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر قال: ولا يبعد أن يقال الأقرب إلى القبلة هو الأول. وقال النووي في شرح مسلم: الصف الأول الممدوح الذي وردت الأحاديث بفضله هو الصف الذي يلي الإمام سواء جاء صاحبه مقدمًا أو مؤخرًا سواء تخلله مقصورة أو نحوها هذا هو الصحيح الذي جزم به المحققون. وقال طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا تقطعه مقصورة ونحوها فإن تخلل الذي يلي الإمام فليس بأول بل الأول ما لم يتخلله شيء قال: وهذا هو الذي ذكره الغزالي. وقيل الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولًا وإن صلى في صف آخر. قيل لبشر بن الحارث: نراك تبكر وتصلي في آخر الصفوف فقال: إنما يراد قرب القلوب لأقرب الأجساد والأحاديث ترد هذا. قوله: (إن اللَّه وملائكته يصلون) الخ لفظ أبي داود: (إن اللَّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) وفيه استحباب الكون في يمين الصف الأول وما بعده من الصفوف. قوله: (وليأتم بكم من وراءكم) أي ليقتد بكم من خلفكم من الصفوف وقد تمسك به الشعبي على قوله أن كل صف منهم إمام لمن وراءه وعامة أهل العلم يخالفونه. قوله: (لا يزال قوم يتأخرون) زاد أبو داود: (عن الصف الأول). قوله: (حتى يؤخرهم اللَّه) أي يؤخرهم اللَّه عن رحمته وعظيم فضله أو عن رتبة العلماء المأخوذ عنهم أو عن رتبة السابقين وقيل أن هذا في المنافقين والظاهر أنه عام لهم ولغيرهم. وفيه الحث على الكون في الصف الأول والتنفير عن التأخر عنه. وقد ورد في فضيلة الصلاة في الصف الأول أحاديث غير ما ذكره المصنف. منها عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ: (خير صفوف الرجال أولها) الحديث وقد تقدم وله حديث آخر متفق عليه: (لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول) وقد تقدم أيضًا. وعن جابر عند ابن أبي شيبة بنحو حديث أبي هريرة الأول. وعن العرباض بن سارية عند النسائي وابن ماجه وأحمد: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يستغفر للصف المقدم ثلاثًا وللثاني مرة). وعن عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجه بنحو حديث عائشة. وعن النعمان بن بشير بنحوه عند أحمد. وعن البراء بن عازب عند أحمد وأبي داود والنسائي من حديث فيه نحو حديث عائشة أيضًا.
1 - عن أبي هريرة: (أن الصلاة كانت تقام لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يأخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقامه). رواه مسلم وأبي داود. 2 - وعن أبي هريرة قال: (أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قيامًا قبل أن يخرج إلينا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فخرج إلينا فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب وقال لنا: مكانكم فمكثنا على هيئتنا يعني قيامًا ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه). متفق عليه. ولأحمد والنسائي: (حتى إذا قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف) وذكر نحوه. 3 - وعن أبي قتادة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت). رواه الجماعة إلا ابن ماجه ولم يذكر البخاري فيه قد خرجت. قوله: (أن الصلاة كانت تقام) المراد بالإقامة ذكر الألفاظ المشهورة المشعرة بالشروع في الصلاة. قوله: (فيأخذ الناس مصافهم) يعني مكانهم من الصف. قوله: (قبل أن يأخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم) فيه اعتدال الصفوف قبل وصول الإمام إلى مكانه. قوله: (قبل أن يخرج) فيه جواز قيام المؤتمين وتعديل الصفوف قبل خروج الإمام وهو معارض لحديث أبي قتادة ويجمع بينهما بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز أو بأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سببًا للنهي عن ذلك في حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره. قوله: (ذكر أنه جنب) قد تقدم الكلام في باب حكم الإمام إذا ذكر أنه محدث. قوله: (مكانكم) قد تقدم أنه منصوب بفعل مقدر. قوله: (على هيئتنا) بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة فوقانية. والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله (مكانكم) فاستمروا على الهيئة أي الكيفية التي تركهم عليها وهي قيامهم في صفوفهم المعتدلة. وفي رواية للكشمهيني: على هينتنا بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة والهينة الرفق. قوله: (يقطر) في رواية للبخاري: (ينظف) وهي بمعنى الأولى. قوله: (وانتظرنا أن يكبر) فيه أنه ذكر قبل أن يدخل في الصلاة وقد تقدم الاختلاف في ذلك. قوله: (إذا أقيمت الصلاة) أي ذكرت ألفاظ الإقامة كما تقدم. قوله: (حتى تروني قد خرجت) فيه أن قيام المؤتمين في المسجد إلى الصلاة يكون عند رؤية الإمام وقد اختلف في ذلك فذهب الأكثرون إلى أنهم يقومون إذا كان الإمام معهم في المسجد عند فراغ الإقامة وعن أنس أنه: (كان يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة) رواه ابن المنذر وغيره. وعن سعيد بن المسيب: (إذا قال المؤذن اللَّه أكبر وجب القيام فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام) وقال مالك في الموطأ: لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس فإن فيهم الثقيل والخفيف. وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم يقومون حين يرونه وخالف البعض في ذلك وحديث الباب حجة عليه. ـ وفي حديث الباب ـ جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم أذنه في ذلك وهو معارض لحديث جابر بن سمرة أن بلالًا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويجمع بينهما بأن بلالًا كان يراقب خروج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم. ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب: (أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن اللَّه أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف) وقد تقدم مثل هذا في باب الأذان في أول الوقت.
باب كراهة الصف بين السواري للمأموم 1 - عن عبد الحميد بن محمود قال: (صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين فلما صلينا قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم). رواه الخمسة إلا ابن ماجه. 2 - وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: (كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ونطرد عنها طردًا). رواه ابن ماجه. وقد ثبت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين. حديث أنس حسنه الترمذي وعبد الحميد المذكور. قال أبو حاتم: هو شيخ وقال الدارقطني: كوفي ثقة يحتج به. وقد ضعف أبو محمد عبد الحق هذا الحديث بعبد الحميد ابن محمود المذكور وقال: ليس ممن يحتج بحديثه. قال أبو الحسن ابن القطان رادًا عليه: ولا أدري من أنبأه بهذا ولم أر أحدًا ممن صنف الضعفاء ذكره فيهم ونهاية ما يوجد فيه مما يوهم ضعفًا قول أبي حاتم الرازي وقد سئل عنه هو شيخ وهذا ليس بتضعيف وإنما هو إخبار بأنه ليس من أعلام أهل العلم وإنما هو شيخ وقعت له روايات أخذت عنه. وقد ذكره أبو عبد الرحمن النسائي فقال: هو ثقة على شحه بهذه اللفظة انتهى. وأما حديث معاوية بن قرة عن أبيه ففي إسناده هارون بن مسلم البصري وهو مجهول كما قال أبو حاتم ويشهد له ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ: (كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها) وقال: (لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف) وأما صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما دخل الكعبة بين الساريتين فهو في الصحيحين من حديث ابن عمر وقد تقدم. والحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة الصلاة بين السواري وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه. وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرم والعلة في الكراهة ما قاله أبو بكر ابن العربي من أن ذلك إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع جمع النعال. قال ابن سيد الناس: والأول أشبه لأن الثاني محدث قال القرطبي: روي أن سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين. وقد ذهب إلى كراهة الصلاة بين السواري بعض أهل العلم قال الترمذي: وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري وبه قاله أحمد وإسحاق وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك انتهى. وبالكراهة قال النخعي وروى سعيد بن منصور في سننه النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة. قال ابن سيد الناس: ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ورخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياسًا على الإمام والمنفرد قالوا: وقد ثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى في الكعبة بين ساريتين. قال ابن رسلان: وأجازه الحسن وابن سيرين وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين وهو قول الكوفيين. قال ابن العربي: ولا خلاف في جوازه عند الضيق وأما عند السعة فهو مكروه للجماعة فأما الواحد فلا بأس به وقد صلى صلى اللَّه عليه وسلم في الكعبة بين سواريها انتهى. وفيه أن حديث أنس المذكور في الباب إنما ورد في حال الضيق لقوله فاضطرنا الناس ويمكن أن يقال أن الضرورة المشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها. وحديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري ولم يقل كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد ولكن حديث أنس الذي ذكره الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة فيحمل المطلق على المقيد ويدل على ذلك صلاته صلى اللَّه عليه وسلم بين الساريتين فيكون النهي على هذا مختصًا بصلاة المؤتمين بين السواري دون صلاة الإمام والمنفرد وهذا أحسن ما يقال. وما تقدم من قياس المؤتمين على الإمام والمنفرد فاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب .
1 - عن همام: (أن حذيفة أمَّ الناس بالمدائن على دكان فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك قال: بلى قد ذكرت حين مددتني). رواه أبو داود. 2 - وعن ابن مسعود قال: (نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه يعني أسفل منه). رواه الدارقطني. 3 - وعن سهل بن سعد: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم جلس على المنبر في أول يوم وضع فكبر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقرى فسجد وسجد الناس معه ثم عاد حتى فرغ فلما انصرف قال: أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي). متفق عليه. ومن ذهب إلى الكراهة حمل هذا على هذا العلو اليسير ورخص فيه. 4 - وعن أبي هريرة: (أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام). 5 - وعن أنس: (أنه كان يجمع في دار أبي نافع عن يمين المسجد في غرفة قدر قامة منها لها باب مشرف على المسجد بالبصرة فكان أنس يجمع فيه ويأتم بالإمام). رواهما سعيد في سننه. الحديث الأول صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وفي رواية للحاكم التصريح يرفعه. ورواه أبو داود من وجه آخر وفيه أن الإمام كان عمار بن ياسر والذي جبذه حذيفة وهو مرفوع ولكن فيه مجهول والأول أقوى كما قال الحافظ. وحديث ابن مسعود ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه. وأثر أبي هريرة أخرجه أيضًا الشافعي والبيهقي وذكره البخاري تعليقًا. قوله: (بالمدائن) هي مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد. قوله: (على دكان) بضم الدال المهملة وتشديد الكاف الدكان الحانوت قيل النون زائدة وقيل أصلية وهي الدكة بفتح الدال وهو المكان المرتفع يجلس عليه. قوله: (كانوا ينهون) بفتح الياء والهاء ورواية ابن حبان أليس قد نهي عن هذا. قوله: (حين مددتني) أي مددت قميصي وجبذته إليك. ورواية ابن حبان: (ألم ترني قد تابعتك) وفي رواية لأبي داود: (قال عمار لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي) وقد استدل بهذا الحديث على أنه يكره ارتفاع الإمام في المجلس. قال ابن رسلان: وإذا كره أن يرتفع الإمام على المأموم الذي يقتدي به فلأن يكره ارتفاع المأموم على إمامه أولى. ويؤيد الكراهة حديث ابن مسعود وظاهر النهي فيه أن ذلك محرم لولا ما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم من الارتفاع على المنبر. وقد حكى المهدي في البحر الإجماع على أنه لا يضر الارتفاع قدر القامة من المؤتم في غير المسجد إلا بحذاء رأس الإمام أو متقدمًا واستدل لذلك أيضًا بفعل أبي هريرة المذكور في الباب وقال: المذهب أن ما زاد فسد واستدل على ذلك بأن أصل البعد التحريم للإجماع في المفرط ولا دليل على جواز ما تعدى القامة ورد بأن الأصل عدم المانع فالدليل على مدعيه وذهب الشافعي إلى أنه يعفى قدر ثلاثمائة ذراع واختلف أصحابه في وجهه. وقال عطاء: لا يضر البعد في الارتفاع مهما علم المؤتم بحال الإمام وأما ارتفاع المؤتم في المسجد فذهبت الهادوية إلى أنه لا يضر ولو زاد على القامة وكذلك قالوا لا يضر ارتفاع الإمام قدر القامة في المسجد وغيره وإذا زاد على القامة كان مضرًا من غير فرق بين المسجد وغيره. ـ والحاصل ـ من الأدلة منع ارتفاع الإمام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره وبين القامة ودونها وفوقها لقول أبي سعيد أنهم كانوا ينهون عن ذلك وقول ابن مسعود: نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحديث. وأما صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم كما يدل عليه قوله (ولتعلموا صلاتي) وغاية ما فيه جواز وقوف الإمام على محل أرفع من المؤتمين إذا أراد تعليمهم. قال ابن دقيق العيد: من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لأن اللفظ لا يتناوله ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه انتهى. على أنه قد تقرر في الأصول أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا نهى عن شيء نهيًا يشمله بطريق الظهور ثم فعل ما يخالفه كان الفعل مخصصًا له من العموم دون غيره حيث لم يقم دليل على التأسي به في ذلك الفعل فلا تكون صلاته على المنبر معارضة للنهي عن الارتفاع باعتبار الأمة وهذا على فرض تأخر صلاته صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر عن النهي من الارتفاع وعلى فرض تقدمها أو التباس المتقدم من المتأخر فيه الخلاف المعروف في الأصول في التخصيص بالمتقدم والملتبس. وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطًا بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع للإجماع من غير فرق بين المسجد وغيره وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع ويعضد هذا الأصل فعل أبي هريرة المذكور ولم ينكر عليه. قوله: (فكبر وهو عليه ثم ركع) لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبير وقد بين ذلك البخاري في رواية له عن سفيان عن أبي حازم ولفظه: (كبر فقرأ أو ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى) والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة. ـ وفي الحديث ـ دليل على جواز العمل في الصلاة وقد تقدم تحقيقه. قوله: (ولتعلموا صلاتي) بكسر اللام وفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام وفيه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر أن يراه من قد يخفى عليه ذلك إذا صلى على الأرض. قوله: (أنه كان يجمع) الخ فيه جواز كون المؤتم في مكان في خارج المسجد. قال في البحر: ويصح كون المؤتم في داره والإمام في المسجد إن كان يرى الإمام أو المعلم ولم يتعد القامة انتهى.
1 - عن عائشة قالت: (كان لنا حصيرة نبسطها بالنهار ونحتجر بها بالليل فصلى فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فسمع المسلمون قراءته فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الثانية كثروا فاطلع عليهم فقال: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا). رواه أحمد. الحديث قد تقدم نحوه عن عائشة عند البخاري في باب انتقال المنفرد إمامًا في النوافل. وفيه تصريح بأنه كان بينه وبينهم جدار الحجرة وقد تقدم نحو الحديث أيضًا عنها في باب صلاة التراويح وفيه أنها قالت: (فأمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أنصب له حصيرًا على باب حجرتي) وقوله: (اكلفوا من الأعمال) إلى آخر الحديث هو عند الأئمة الستة من حديثها بلفظ: (خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا) والملال الاستثقال من الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على اللَّه تعالى فإطلاقه عليه من باب المشاكلة نحو وفي بعض طرقه عن عائشة: (فإن اللَّه لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل) أخرجه ابن جرير في تفسيره. وقيل معناه أن اللَّه لا يمل أبدًا مللتم أم لم تملوا مثل قولهم حتى يشيب الغراب. وقيل إن معناه أن اللَّه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله. والحديث يدل على أن الحائل بين الإمام والمؤتمين غير مانع من صحة الصلاة. قال في البحر: ولا يضر بعد المؤتم في المسجد ولا الحائل ولو فوق القامة مهما علم حال الإمام إجماعًا اهـ. وكذلك لا يضر الحائل في غير المسجد ولو فوق القامة إلا أن يمنع من ذلك مانع.
1 - عن عبد الرحمن بن شبل: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نهى في الصلاة عن ثلاث عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير). رواه الخمسة إلا الترمذي. 2 - وعن سلمة بن الأكوع: (أنه كان يتحرى الصلاة عند الاسطوانة التي عند المصحف وقال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها). متفق عليه. ولمسلم: (أن سلمة كان يتحرى موضع المصحف يسبح فيه وذكر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتحرى ذلك المكان). حديث عبد الرحمن بن شبل سكت عنه أبو داود والمنذري والراوي له عن عبد الرحمن بن شبل هو تميم بن محمود قال البخاري: في حديثه نظر. قوله: (عن نقرة الغراب) المراد بها كما قال ابن الأثير ترك الطمأنينة وتخفيف السجود وأن لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد الأكل والشرب منه كالجيفة. قوله: (وافتراش السبع) هو أن يقع ساعديه على الأرض كالذئب وغيره كما يقعد الكلب في بعض حالاته. قوله: (وأن يوطن الرجل) قال ابن رسلان: بكسر الطاء المشددة وفيه أن قوله في الحديث: (كإيطان) يدل على عدم التشديد لأن المصدر على إفعال لا يكون إلا من أفعل المخفف ومعناه كما قال ابن الأثير أن يألف الرجل مكانًا معلومًا في المسجد يصلي فيه ويختص به. قوله: (كإيطان البعير) المراد كما يوطن البعير المبرك الدمث الذي قد أوطنه واتخذه مناخًا له فلا يأوي إلا إليه. وقيل معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير على المكان الذي أوطنه يقال أوطنت الأرض ووطنتها واستوطنتها أي اتخذتها وطنًا ومحلًا. قوله: (عند الأسطوانة) هي بضم الهمزة وسكون السين المهملة وضم الطاء وهي السارية. قوله: (التي عند المصحف) هذا دال على أنه كان للمصحف موضع خاص به ووقع عند مسلم بلفظ: (يصلي وراء الصندوق) وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه. قال الحافظ: والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة المكرمة وأنها تعرف باسطوانة المهاجرين قال: وروي عن عائشة أنها كانت تقول: لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وأنها أسرتها إلى ابن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها قال: ثم وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن النجار وزاد أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة. ـ والحديث الأول ـ يدل على كراهة اعتياد الرجل بقعة من بقاع المسجد ولا يعارضه الحديث الثاني لما تقرر في الأصول أن فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم يكون مخصصًا له من القول الشامل له بطريق الظهور كما تقدم غير مرة إذا لم يكن فيه دليل التأسي وعلة النهي عن المواظبة على مكان في المسجد ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا من مشروعية تكثير مواضع العبادة. قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق حديث سلمة ما لفظه: قلت وهذا محمول على النفل ويحمل النهي على من لازم مطلقًا للفرض والنفل اهـ.
1 - عن المغيرة بن شعبة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: لا يصلي الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه). رواه ابن ماجه وأبو داود. 2 - وعن أبي هريرة: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله). رواه أحمد وأبو داود. ورواه ابن ماجه وقالا: (يعني في السبحة). الحديث الأول في إسناده عطاء الخراساني ولم يدرك المغيرة بن شعبة كذا قال أبو داود. قال المنذري: وما قاله ظاهر فإن عطاء الخراساني ولد في السنة التي مات فيها المغيرة ابن شعبة وهي سنة خمسين من الهجرة على المشهور. قال الخطيب: أجمع العلماء على ذلك وقيل ولد قبل وفاته بسنة. والحديث الثاني في إسناده إبراهيم بن إسماعيل قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول. قوله: (حتى يتنحى) لفظ أبي داود: (حتى يتحول). قوله: (أيعجز) بكسر الجيم. قوله: (يعني السبحة) أي التطوع. والحديثان يدلان على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل أما الإمام فبنص الحديث الأول وبعموم الثاني. وأما المؤتم والمنفرد فبعموم الحديث الثاني وبالقياس على الإمام. والعلة في ذلك تكثير مواضع العبادة كما قال البخاري والبغوي لأن مواضع السجود تشهد له كما في قوله تعالى
1 - عن عمران بن حصين قال: (كانت بي بواسير فسألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنبك). رواه الجماعة إلا مسلمًا. وزاد النسائي: (فإن لم تستطع فمستلقيًا لا يكلف اللَّه نفسًا إلا وسعها). 2 - وعن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: يصلي المريض قائمًا إن استطاع فإن لم يستطع صلى قاعدًا فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيًا رجلاه مما يلي القبلة). رواه الدارقطني. حديث علي في إسناده حسين بن زيد ضعفه ابن المديني والحسن بن الحسين العرني. قال الحافظ: وهو متروك. وقال النووي: هذا حديث ضعيف. ـ وفي الباب ـ عن جابر عند البزار والبيهقي في المعرفة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم عاد مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها وأخذ عودًا ليصلي عليه فأخذه فرمى به وقال صلى اللَّه عليه وسلم: صل على الأرض إن استطعت وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك). قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن الثوري غير أبي بكر الحنفي. قال الحافظ: ثم غفل عنه فأخرجه من حديث عبد الوهاب بن عطاء عن سفيان نحوه. وقد سئل أبو حاتم فقال: الصواب عن جابر موقوف ورفعه خطأ قيل له فإن أبا أسامة قد روى عن الثوري هذا الحديث مرفوعًا فقال: ليس بشيء وقد قوى إسناده في بلوغ المرام. وروى الطبراني نحوه من حديث طارق بن شهاب عن ابن عمر قال: (عاد النبي صلى اللَّه عليه وسلم رجلًا من أصحابه مريضًا فذكره). وروى الطبراني أيضًا من حديث ابن عباس مرفوعًا: (يصلي المريض قائمًا فإن نالته مشقة صلى نائمًا يومئ برأسه فإن نالته مشقة سبح) قال في التلخيص: وفي إسنادهما ضعف. وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعدًا ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه والمعتبر في عدم الاستطاعة عند الشافعية هو المشقة أو خوف زيادة المرض أو الهلاك لا مجرد التألم فإنه لا يبيح ذلك عند الجمهور وخالف في ذلك المنصور باللَّه. وظاهر قوله: (فقاعدًا) أنه يجوز أن يكون القعود على أي صفة شاء المصلي وهو مقتضى كلام الشافعي في البويطي. وقال الهادي والقاسم والمؤيد باللَّه أنه يتربع واضعًا ليديه على ركبتيه. وقال زيد بن علي والناصر والمنصور أنه كقعود التشهد وهو خلاف في الأفضل والكل جائز. والمراد بقوله: (فعلى جنبك) هو الجنب الأيمن كما في حديث علي وإلى ذلك ذهب الجمهور قالوا ويكون كتوجه الميت في القبر. وقال الهادي وهو مروي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة وحديثا الباب يردان عليهم لأن الشارع قد اقتصر في الأول منهما على الصلاة على الجنب عند تعذر القعود وفي الثاني قدم الصلاة على الجنب على الاستلقاء. وحديث علي رضي اللَّه عنه يدل على أن من لم يستطع أن يركع ويسجد قاعدًا يومئ للركوع والسجود ويجعل الإيماء لسجوده أخفض من الإيماء لركوعه وإن من لم يستطع الصلاة على جنبه يصلي مستلقيًا جاعلًا رجليه مما يلي القبلة. وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أنه إذا تعذر الإيماء من المستلقي لم يجب عليه شيء بعد ذلك. وقيل يجب الإيماء بالعينين. وقيل بالقلب. وقيل يجب إمرار القرآن على القلب والذكر على اللسان ثم على القلب ويدل على ذلك قول اللَّه تعالى {فاتقوا اللَّه ما استطعتم) وقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) والبواسير المذكورة في حديث عمران قيل هي بالباء الموحدة وقيل بالنون. والأول ورم في باطن المقعدة والثاني قرحة فاسدة.
|