الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
أبواب ما يجتنبه المحرم وما يباح له 1 - عن ابن عمر قال (سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما يلبس المحرم قال لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين). رواه الجماعة. وفي رواية لأحمد قال (سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول هذا المنبر المحرم من الثياب). قوله (ما يلبس المحرم قال لا يلبس) الخ قال النووي قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام لأن ما لا يلبس منحصرا فحصل التصريح به وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه قال البيضاوي سئل عما يلبس فأجاب بما ليس يلبس ليدل بالإلزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب لأنه أحضر وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج إلى بيانه إذا الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب وكان اللائق السؤال عما لا يلبس وقال غيره هذا شبه الأسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى 2 - وعن ابن عمر(أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين). رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه وفي رواية قال (سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ينهي النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب ومامس الورس والززعفران من الثياب) رواه أحمد وأبو داود وزاد (ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو حليا أو سراويل أو قميص. الزييادة التي ذكرها أبو داود أخرجها أيضا الحاكم والبيهقي. قوله (لا تنتقب المرأة) نقل البيهقي عن الحاكم عن أبي على الحافظ أن قوله لا تنتقب من قول ابن عمر أدرج في الخبر وقال صاحب الإمام هذا يحتاج إلى دليل وقد حكى ابن المنذر الخلاف هل هو من قول ابن عمر أو من حديثه وقدر رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفا وله طرق في البخاري موصولة ومعلقة والانتقاب لبس غطاء للوجه فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما. وقال في الفتح النقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر. قوله (ولا تلبس القفازين) بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي ما تلبس المرأة في يديها فيغطى أصابعها وكفها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه وهو لليد كالخف للرجل. قوله (وما مس الورس) الخ تقدم الكلام عليه في شرح الحديث الذي قبله. قوله (ولتلبس بعد ذلك ما أحبت) الخ ظاهره جواز لبس ما عدا ما اشتمل عليه الحديث من غير فرق بين المخيط وغيره والمصبوغ وغير وقد خالف مالك في المعصفر فقال بكراهته ومنع منه أبو حنيفة ومحمد وشبهاه بالمورس والمزعفر والحديث يرد ذلك. ـ واختلف العلماء أيضا ـ في لبس النقاب فمنعه الجمهور وأجازته الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية وهو مردود بنص الحديث. قال في الفتح ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين. قوله (أو حليا) بفتح الحاء وإسكان اللام وبضم الحاء مع كسر اللام وتشديد الياء لغتان قرئ بهما في السبع وهو ما تتحلى به المرأة من جلجل وسوار وتتزين به من ذهب أو فضة أو غير ذلك. 3 - وعن جابر قال (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل). رواه أحمد ومسلم. 4 - وعن ابن عباس قال (سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يخطب بعرفات من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين). متفق عليه. وفي رواية عن عمر بن دينار (أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو يخطب يقول من لم يجد إزارا ووجد سراويل فليلبسها ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما قلت ولم يقل قطعهما قال لا) رواه أحمد أحمد وهذا بظاهره ناسخ لحديث ابن عمر بقطع الخفين لأنه قال بعرفات في وقت الحاجة وحديث ابن عمر كان بالمدينة كما سبق في رواية أحمد والدارقطني. قوله (فليلبس خفين) تمسك بهذا الإطلاق أحمد فأجاز للمحرم لبس الخف والسراويل للذي لا يجد النعلين والإزار على حالهما واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل ويلزمه الفدية عندهم إذا لبس شيئا منهما على حاله لقوله في حديث ابن عمر المتقدم (فليقطعهما) فيحمل المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير. قال ابن قدامة الأولي قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف. قال في الفتح والأصح عند الشافعية والأكثر جواز لبس السروايل بغير فتق كقول أحمد واشترط الفتق محمد بن الحسن وامام الحرمين وطائفة. وعن أبي حنيفة منع السراويل للمحرم مطلقا ومثله عن مالك والحديثان المذكوران في الباب يردان عليهما ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون على حالة لو فتقه لكان أزارا لأنه في تلك الحال يكون واجا للازار كما قال الحافظ وقد أجاب الحنابلة على الحديث الذي أحتج به الجمهور على وجوب القطع باجوبة منها دعوى النسخ كما ذكر المصنف لأن حديث ابن عمر كان بالمدينة قبل الأحرام وحديث ابن عباس كان بعرفات كما حكى ذلك الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري. وأجاب الشافعي في الأم عن هذا فقال كلاهما صادق حافظ وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شكل فيها أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته انتهى. وسلك بعضهم طريقة الترجيح بين الحديثين قال ابن الجوزي حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه ورد بأنه لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلى في رواية شاذة وعورض بأنه اختلف في حديث ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا. قال الحافظ ولا يرتاب أحد من المحدثين إن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لان حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أسح الأسانيد واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعا لا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصلي أنه شيخ مصري لا يعرف كذا قال وهو شيخ معروف موصوف بالفقه عند الأئمة. واستدل بعضهم بقياس الخف على السراويل في ترك القطع ورد بأنه مصادم للنص فهو فاسد الأعتبار واحتج بعضهم بقول عطاء ان القطع فساد واللّه لا يحب الفساد ورد بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا فيما أذن فيه بل أوجبه. وقال ابن الجوزي يحمل الأمر بالقطع على الأباحة لا على الأشتراط عملا بالحديثين ولا يخفى أنه متكلف والحق أنه لا تعارض بين مطلق ومقيد لإمكان الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد والجمع ما أمكن هو الواجب فلا يصار إلى الترجيح ولو جاز المصير إلى الترجيح لإمكان ترجيح المطلق بأنه ثابت من حديث ابن عباس وجابر كما في الباب ورواية اثنين أرجح من رواية واحد. 4 - وعن عائشة قالت (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. 5 - وعن سالم (أن عبد اللّه يعني ابن عمر كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته حديث صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قد رخص للنساء في الخفين فترك ذلك). رواه أبو داود. الحديث الأول أخرجه ابن خزيمة وقال في القلب من يزيد بن أبي زياد ولكن ورد من وجه أخر ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها نحوه وصححه الحاكم قال المنذري قد أختار جماعة العمل بظاهر هذا الحديث وذكر الخطابي أن الشافعي علق القول فيه يعني على صحته ويزيد بن أبي زياد المذكور قد أخرج له مسلم في الخلاصة عن الذهبي أنه صدوق وقد أعل الحديث أيضا بأنه من رواية مجاهد عن عائشة وقد ذكر يحيى بن سعيد القطان وابن معين أنه لم يسمع منها. وقال أبو حاتم الرازي مجاهد عن عائشة مرسل وقد احتج البخاري ومسلم في صحيحيهما بأحاديث من رواية مجاهد عن عائشة. والحديث الثاني في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهورقد قدمنا ذكره في أول هذا الشرح ولكنه لم يعنعن. قوله (فإذا حاذوا بنا) في نسخ المصنف هكذا فإذا حاذوا بنا. ولفظ أبي داود فإذا جازوا بنا بالزاي مكان الذال وفي التلخيص وغيره فإذا حاذونا. قوله: (جلبابها) أي ملحفتها. قوله (من رأسها) تمسك به أحمد فقال إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها واستدل بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره مطلقا كالعورة لكن إذا سدلت يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة هكذا قال أصحاب الشافعي وغيرهم. وظاهر الحديث خلافه لأن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان التجافي شرطا لبينه صلى اللّه عليه وآله وسلم. قوله (كان يقطع الخفين للمرأة) لعموم حديث ابن عمر المتقدم فإن ظاهره شمول الرجل والمرأة لولا هذا الحديث والإجماع المتقدم. قوله (فترك ذلك) يعني رجع عن فتواه وفيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تلبس الخفين بغير قطع.
1 - عن يعلي بن أمية (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جاءه رجل متضمخ بطيب فقال يا رسول اللّه كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب فنظر إليه ساعة فجاءه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سألني عن العمرة أنفا فالتمس الرجل فجئ به فقال أما الطيب الذي بك فأغسله ثلاث مرات وأما الجبة فأنزعها ثم أصنع في العمرة كل ما تصنع في حجك). متفق عليه. وفي رواية لهم (وهو متضمخ بالخلوق) وفي رواية لأبي داود (فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخلع جبتك فخلعها من رأسه) . قوله (جاءه رجل) ذكر ابن فتحون عن تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن منية فيكون أخا يعلى بن منية لأنه يقال له يعلى بن منية بالمنية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه وقيل جدته. وقال ابن الملقن يجوز أن يكون هذا الرجل عمرو بن سواد وذكر الطحاوي أن الرجل هو يعلى بن أمية الراوي. قوله (ثم سرى عنه) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف عنه. قوله (الذي بك) هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه ولكن ظاهر قوله وأما الجبة الخ أنه أراد الطيب الكائن في البدن. قوله (ثم اصنع في العمرة كل ماتصنع في حجك) فيه دليل على أنهم كانوا يعرفون اعمال الحج. قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن مجراها واحد. وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده. قال النووي كما قال ابن بطال وزاد ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج. وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية كذا قال ولا وجه لهذا الحصر لانه قد ثبت عند مسلم والنسائي في هذا الحديث لفظ (ما كنت صانعا في حجك فقال انزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق فقال ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك) قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب وإنما فيه أن الرجل كان متصمخا. قوله: (اغسل الطيب الذي بك) يوضح أن الطيب لم يكن على ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الاحرام واستدل بحديث الباب على منع استدامة الطيب بعد الاحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن وهو قول مالك ومحمد بن الحسن وأجاب الجمهور عنه بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة وهي في سنة ثمان لا خلاف وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول اللّه بيدها عند احرامها وكان ذلك في حجة الوداع وهي سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالأمر الآخر فالآخر وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم. وقد أجاب المصنف بهذا كما سيأتي وقد تقدم الكلام على ما يجوز من الطيب للمحرم ومالا يجوز في باب ما يصنع من أراد الاحرام وقد استدل بهذا الحديث على ان المحرم ينزع ما عليه من المخيط من قميص أو غيره ولا يلزمه عند الجمهور تمزيقه ولا شقة وقال النخعي والشعبي لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبي قلابة. ورواية أبي داود المذكورة في الباب ترد عليهم واستدل بالحديث أيضا على ان من أصاب طيبا في احرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه ولهذا قال المصنف رحمه اللّه تعالى وظاهره أن اللبس جهلا لا يوجب الفدية وقد احتج من منع من استدامة الطيب وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكراهة التزعفر للرجل لا لكونه محرما متطيبا انتهى. وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه دم وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقا.
1 - عن أم الحصين قالت (حججنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) وفي رواية (حججنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يظله من الشمس). رواهما أحمد ومسلم. 2 - وعن ابن عباس (أن رجلا أو قصته راحلته وهو محرم فمات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا). رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. قوله (يستره من الحر) وكذا قوله (يظله من الشمس) فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره وإلى ذلك ذهب الجمهور وقال مالك وأحمد لا يجوز. والحديث يردعليهما وأجاب عنه بعض أصحاب مالك بأن هذا المقدار لا يكاد يدوم فهوكما أجاز مالك للمحرم أن يستظل بيده فإن فعل لزمته الفدية عند مالك وأحمد وأجمعوا على أنه لوقعد تحت خيمة أوسقف جاز. وقد احتج مالك وأحمد على منع التظلل بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال اضح لمن أحرمت له) وبما أخرجه البيهقي أيضا بإسناد ضعيف عن جاب مرفوعا (ما منمحرم يضحى للشمس حتى تغرب الا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه) قوله: (واضح) بالضاد المعجمة وكذا يضحي والمراد ابرز للضحي قال اللّه تعالى
1 - عن البراء قال (اعتمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم لا يدخل مكة سلاحا إلا في القراب). 2 - وعن ابن عمر (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم إلى ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثة أيام أمروه أن يخرج فخرج) رواهما أحمد والبخاري وهو دليل على أن للمحصر نحر هديه حيث أحصر. قوله (إلا في القراب) بكسر القاف هو وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدا ويطرح فيه الراكب سوطه واداته ويعلقه في الرحب وإنما وقعت المقاضاة بينه صلى اللّه عليه وآله وسلم وبينهم على أن يكون سلاح النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن معه في القرابات لوجهين ذكرهما أهل العلم. الأول أن لا يظهر منه حال دخوله دخول الغالبين القاهرين لهم. والثاني أنها عرضت فتنة أو غيرها يكون في الأستعداد للقتال بالسلاح صعوبة قاله أبو إسحاق السبيعي وفي الحديثين دليل على جواز حمل السلاح بمكة للعذر والضرورة لكن بشرط أن يكون في القراب كما فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم فيخصص بهذين الحديثين عموم حديث جابر عند مسلم قال قال صلى اللّه عليه وآله وسلم (لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح) فيكون هذا النهي فيما عدا من حمله للحاجة والضرورة وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم على حلم السلاح لغير ضرورة ولا حاجة فإن كانت حاجة جاز قال وهذا مذهب الشافعي ومالك وعطاء قال وكرهه الحسن البصري تمسكا بهذا الحديث يعني حديث النهي قال وشذ عكرمة فقال إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية أراد إذا كان محرما وليس المغفرا والدرع ونحوهما فلا يكون مخالفا للجماعة انتهى. والحق ما ذهب إليه الجمهور لأن فيه الجمع بين الأحاديث وهكذا يخصص بحديثي الباب عموم قول ابن عمر المتقدم في كتاب العيد وادخلت الحرم فيكون مراده لم يكن السلاح يدخل الحرم لغير حاجة إلا للحاجة فإنه قد دخل صلى اللّه عليه وآله وسلم غير مرة كما في دخوله يوم الفتح هو وأصحابه ودخوله صلى اللّه عليه وآله وسلم للعمرة كما في حديثي الباب اللذين أحدهما من رواية ابن عمر.
1 - في حديث ابن عمر (ولا ثوب مسه ورس ولا زعفران) وقال في المحرم الذي مات (لا تحنطوه). 2 - وعن عائشة قالت (كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد أيام وهو محرم). متفق عليه. ولمسلم والنسائي وأبي داود (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو محرم). 3 - وعن عائشة قالت (كنا نخرج مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى مكة فتضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الاحرام فإذا عرقت أحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا ينهانا). رواه أبو داود. 4 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم). 5 - رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير وقد تكلم يحيى ين سعيد في فرقد وقد روى عنه الناس. حديث ابن عمر تقدم في باب ما يجتنبه المحرم من اللباس. وقله (لا تحنطوه) تقدم في باب تطييب بدن الميت من كتاب الجنائز. وحديث عائشة الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده رواته ثقات إلا الحسين بن الجنيد شيخ أبو داود وقد قال النسائي لا بأس به: قوله ابن حبان في الثقات مستقيم الأمر فيما يروى. وحديث ابن عمر في إسناده المقال الذي أشار إليه الترمذي ومن عدا فرقدا فيهم ثقات قوله: (كأني انظر إلى وبيص الطيب) قد تقدم الكلام على هذا تفسيرا وحكما في باب ما يصنع من أراد الاحرام وجزمنا هنالك بأن الحق أنه يحرم على المحرم ابتداء الطيب لا استمراره قوله: (فنضمد) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة أن نلطخ: قوله (بالسك) بضم السين المهملة وتشديد الكاف وهو نوع من الطيب معروف: قوله (فإذا عرقت) بكسر الراء قوله (ولا ينهانا) سكوته صلى اللّه عليه وآله وسلم يدل على الجواز لأنه لا يسكت على باطل قوله: (غير مقتت) قال في القاموس زيت مقتت طبخ فيه الرياحين أو خلط بادهان طيبة وفيه دليل على جواز الادهان بالزيت الذي لم يخلط بشيء من الطيب. وقد قال ابن المنذر أنه أجمع العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوي رأسه ولحيته قال وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا وقد تقدم مثل هذا النقل عن ابن المنذر والكلام على هذا الباب قد مر فلا نعيده.
1 - عن كعب بن عجرة قال (كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى اتد شاة قلت لا فنزلت الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال هو صوم ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاما لكل مسكين). متفق عليه. وفي رواية (أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم زمن الحديبية فقال كأن هو ام رأسك تؤذيك فقلت أجل قال فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين) رواه أحمد ومسلم وأبو داود. ولأب داود في رواية (فدعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لي أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو أنسك شاة فحلقت رأسي ثم نسكت). قوله (ما كنت أرى أن الجهد) بضم الهمزة أي أظن والجهد بالفتح المشقة قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا وكذا حكاه القاضي عياض عن ابن دريد وقال صاحب المغنى بالضم الطاقة وبالفتح الكلفة فيتعين الفتح هنا. قوله (قد بلغ منك ما أرى) بفتح الهمزة من الرؤية: قوله (نصف صاع) في رواية عن شعبة نصف صاع طعام وفي أخرى عن أبي ليلى نصف صاع من زبيب. وفي رواية أيضا عن شعبة نصف صاع حنطة قال ابن حزم لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقم واحد في حق رجل واحد قال في الفتح المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة وأما الزبيب فلم أره إلى في رواية الحكم. وقد أخرجه أبو داود وفي إسنادها محمد بن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف والمحفوظ رواية التمر وقد وقع الجزم عند مسلم وغيره من طريق أبي قلابة كما وقع في الباب حيث قال أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين ولم يختلف على أبي قلابة وكذا أخرجه الطبراني من طريق الشعبي عن كعب وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ومن طريق شعبة وداود عن الشعبي عن كعب وكذا في حديث عبد اللّه بن عمر وعند الطبراني وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وإن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع. قوله (هوام رأسك) الهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأحناش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف وقد وقع في كثير من الروايات أنها القمل. قوله: (فرقا) الفرق ثلاثة آسع كما وقع عند الطبراني من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه قال سفيان والفرق ثلاثة آصع وفيه إشعار بأن تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضي الروايات الأخر كما في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد بلفظ (لكل مسكين نصف صاع) وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا (أو أطعم ستة مساكين مدين) : قوله (أو نسك شاة) لاختلاف بين العلماء إن النسك المذكور في الآية هو شاة لكنه يعكر عليه ما أخرجه أبو داود عن كعب (أنه أصابه أذى فحلق رأسه فأمره النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يهدي بقرة) وفي رواية للطبراني (فأمره النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يفتدي فافتدى ببقرة) وكذا لعبد بن حميد وسعيد بن منصور. قال الحافظ وق عارض هذه الروايات ما أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي هريرة (أن كعبا ذبح شاة لاذى كان أصابه) وهذا أصوب من الذي قبله واعتمد ابن بطال على رواية نافع عن سليمان بن يسار قال أخذ كعب بأرفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما أمر به من ذبح الشاة بل وافق وزاد وتعقبه الحافظ بأن الحديث الدال على الزيادة لم يثبت.
1 - عن عبد اللّه بن بحينة قال (احتجم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو محرم بلحى جمل من طريق مكة في وسط رأسه). متفق عليه. 2 - وعن ابن عباس (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم احتجم وهومحرم). متفق عليه. وللبخاري (احتجم في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحى الجمل). 3 - وعن عبد اللّه بن حنين (إن ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء ابن عباس فقال ابن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه قال فارسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهويستر بثوب فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد اللّه بن حنين أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يغتسل وهو محرم قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لانسان يصب عليه الماء أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر فقال هكذا رأيته صلى اللّه عليه وآله وسلم يفعل). رواه الجماعة إلا الترمذي. قوله: (وهو محرم) زاد في رواية للبخاري بعد قوله محرم لفظ صائم: قوله: (بلحى جمل) بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة كما وقع مبينا في الرواية الثانية وذكر البكري في معجمه أنه الموضع الذي يقال له بئر جمل وقال غيره هو عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا ووهم من ظن أن المراد به لحى الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع قوله (في وسط) بفتح المهملة أي متوسطه وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين قال الليث كانت هذه الحجامة في فاس الرأس. قال النووي إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرا فإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس. وقال الداودي إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وربط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى المحرم عنه من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك. قوله: (بالأبواء) أي وهما نازلان بها وفي رواية العرج بفتح أوله واسكان ثانيه قرية جامعة قريبة من الابواء. قوله: (بين القرنين) أي قرني البئر قوله: (أرسلني إليك ابن عباس) الخ قال ابن عبد البر الظاهر أن ابن عباس كان عند في ذلك نص من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخذه عن أبي أيوب أو عن غيره ولهذا قال عبد اللّه بن حنين لأبي أيوب يسألك كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل رأسه أولا على حسب ما وقع فيه اختلاف المسور وابن عباس. قوله: (فطأطأه) أي أزاله عن رأسه. وفي رواية للبخاري (جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه) قوله: (لانسان) قال الحافظ لم أقف على اسمه: قوله (فقال هكذا رأيته صلى اللّه عليه وآله وسلم يفعل) زاد في رواية للبخاري فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدا أي لا أجادلك (والحديث) يدل على جواز الأغتسال للمحرم وتغطية الرأس باليد حاله قال ابن المنذر أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك وروى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام وروى عن مالك أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء. وللحديث فوائد ليس هذا موضع ذكرها.
1 - عن عثمان بن عفان (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب). رواه الجماعة إلا البخاري وليس للترمذي فيه (ولا يخطب). 2 - وعن ابن عمر (أنه سئل عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل وهو خارج مكة فأراد أن يعتمر أو يحج فقال لا تتزوجها وأنت محرم نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عنه). رواه أحمد. 3 - وعن أبي غطفان عن أبيه عن عمر (أنه فرق بينهما يعني رجلا تزوج وهو محرم). رواه مالك في الموطأ والدارقطني. 4 - وعن ابن عباس (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم). رواه الجماعة. وللبخاري (تزوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ميمونة وهو محرم وبني بها وهو حلال وماتت بسرف). 5 - وعن يزيد بن الأصم عن ميمونة (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوج بها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف قدفناها في الظلة التي بنى بها فيها). رواه أحمد والترمذي. ورواه مسلم وابن ماجه. ولفظهما (تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس) وأبو داود ولفظه قالت (تزوجني ونحن حلالان بسرف). 6 - وعن أبي رافع (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما). رواه أحمد والترمذي ورواية صاحب القصة والسفير فيها أولى لأنه اخبر وأعرف بها. وروى أبو داود أن سعيد بن المسيب قال وهم ابن عباس في قوله تزوج ميمومة وهو محرم). حديث ابن عمر في إسناده أيوب بن عتبة وهو ضعيف وقد وثق وحديث أبي رافع قال الترمذي حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة قال وروى مالك بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو حلال) رواه مالك مرسلا وقول سعيد بن المسيب أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وفي إسناده رجل مجهول. قوله (يا ينكح المحرم ولا ينكح) الأول بفتح الياء وكسر الكاف أي لا يتزوج لنفسه والثاني بضم الياء وكسر الكاف أي لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة في مدة الاحرام: قال العسكري ومن فتح الكاف من الثاني فقد صحف: قوله (ولا يخطب) أي لا يخطب المرأة وهو طلب زواجها وقيل لا يكون خطيبا في النكاح بين يدي العقد والظاهر الأول: قوله (تزوج ميمونة وهو محرم) أجيب عن هذا بأنه مخالف لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا ابن عباس كما قال عياض ولكنه متعقب بأنه قد صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه كما صرح بذلك في الفتح وأجيب ثانيا بأنه تزوجها في أرض الحرم وهو حلال فأطلق ابن عباس على من في الحرم أنه محرم وهو بعيد وأجيب ثالثا بالمعارضة برواية ميمونة نفسها وهي صاحبة القصة وكذلك برواية أبي رافع وهو السفير وهما أخبر بذلك كما أخبر المصنف وغيره لكنه يعارض هذا المرجع أن ابن عباس روايته مصثبتة وهي أولى من النافعية ويجاب بأن رواية ميمونة وأبي رافع أيضا مثبتة لوقوع عقد النكاح والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حلال وأجيب رابعا أن غاية حديث ابن عباس أنه حكاية فعل وهي لا تعارض صريح القول أعني النهي عن أن ينكح المحرم أو ينكح ولكن هذا إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن ههنا على فرض أن رواية ابن عباس أرجح من رواية غيره وذلك بأن يجعل فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم مخصصا له من عموم ذلك القول كما تقرر في الأصول في جواز تخصيص العام المتأخر بالخاص المتقدم كما هو المذهب الحق أو جعل العام المتأخر ناسخا كما ذهب إليه البعض. إذا تقرر هذا فالحق أن يحرم أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره كما ذهب إليه الجمهور وقال عطاء وعكرمة ولأخل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كنما يجوز له أن يشتري جارية للوطء وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار. وظاهر النهي عدم الفرق بين من يزوج غيره بالولاية الخاصة أو العامة كالسلطان والقاضي. وقال بعض الشافعية والإمام يحيى أ،ه يجوز أن نزوج المحرم بالولاية العامة وهو تخصيص لعموم النص بلا مخصص قوله: (بسرف) بفتح المهملة وكسر الراء موضع معروف: قوله (في الظلة) بضم الظاتء وتشديد اللام كل ما أظل من الشمس: قوله (التي بنى فيها) أي التي زفت إليه فيها قوله: وهم ابن عباس هذا هو أحد الأجوبة التي أجاب بها الجمهور عن حديث ابن عباس. 7 - وعن عمر وعلي وأبي هريرة (أنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفذان لوجههما حتى يقضيان حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي قال علي فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما). 8 - وعن ابن عباس أنه (سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنه). والجميع لمالك في الموطأ. أثر عمر وعلي وأبي هريرة هو في الموطأ كما قال المصنف ولكنه ذكره بلاغا عنهم وأسنده البيهقي من حديث عطاء عن عمر وفيه إرسال ورواه سعيد بن منصور عن مجاهد عن عمر وهو منقطع. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عنه. وعن علي وهو منقطع أيضا بين الحكم وبينه. وأثر ابن عباس رواه البيهقي من طريق أبي بشر عن رجل من بني عبد الدار عنه وفيه أن أبا بشر قال لقيت سعيد بن جبير فذكرت ذلك له فقال هكذا كان ابن عباس يقول ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند أحمد أنه سئل عن رجل وامرأة حاجين وقع عليهما قبل الإفاضة فقال ليحجا قابلا. وعن ابن عمرو بن العاص عن الدارقطني والحاكم والبيهقي نحو قول ابن عمر وقد روى نحو هذه الأثار مرفوعا عند أبي داود في المراسيل من طريق يزيد بن نعيم (أن رجلا من جذام جامع امرأته وهما محرمان فسألا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال اقضيا نسكا واهديا هديا) قال الحافظ رجاله ثقات مع إرساله. ورواه ابن وهب في موطئه من طريق سعيد بن المسيب مرسلا. وأثر على المذكور في الباب في التفريق أخرج نحوه البيهقي عن ابن عباس موقوفا وروى ابن وهب في موطئه عن سعيد بن المسيب مرفوعا مرسلا نحوه وفيه ابن هليعة وهو عند أبي داود في المراسيل بسند معضل: قوله (حتى يقضيا حجهما) استدل به من قال أنه يجب المضي في فاسد الحج وهم الأكثر وقال داود لا يجب كالصلاة. قوله (ثم عليهما حج قابل) استدل به من قال أنه يجب قضاء الحج الذي فسدوهم الجمهور قوله: (والهدي) تمسك به من قال أن كفارة الوطء شاة لأنها أقل ما يصدق عليه الهدي وهو مروي عن أبي حنيفة والناصر ويدل على ما قالاه قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (واهديا هديا) كما في مرسل أبي داود المذكور. وذهب الجمهور إلى أنها تجب بدنة على الزوج وبدنة على الزوجة ويجب بدنة الزوجة على الزوج أذا كانت مكرهة لا مطاعة. وقال أبو حنيفة ومحمد على الزوج مطلقا.وقال الشافعي في أحد قوليه عليهما هدى واحد لظاهر الخبر و الأثر.وقال الأمام يحيى بدنه المرأة عليها إذا لم يفصل الدليل: قوله (تفرقا حتى يقضيا حجهما) فيه دليل على مشروعية التفرق وقد حكى ذلك في البحر عن علي وابن عباس وعثمان والعترة وأكثر الفقهاء وأختلفوا هل واجب أم لا فذهب أكثر العترة وعطاء ومالك والشافعي في أحد قوليه إلى الوجوب. وذهب الإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إلى الندب. وقال أبو حنيفة لا يجب ولا يندب. واعلم إنه ليس في الباب من المرفوع ما تقوم به الحجة والموقوف ليس بحجة فمن لم يقبل المرسل ولا رأى حجية أقوال الصحابة فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام وله في ذلك سلف صالح كداود الظاهري.
|